للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو قرن على الهجرة الشريفة فأولى أن يكونوا قد اتبعوا ذلك فى الشعر الجاهلى، ولم يكن ركنا فى الشريعة الإسلامية ولا كانت تقوم عليه حاجاتهم الدينية الملحة.

ومن يرجع إلى شعرهم يجد شعراءهم يذكرون دائما الرواية وأنها وسيلة انتشاره فى القبائل، فهى الوسيلة التى كانوا يعرفونها وقد نفذ شعرهم من خلالها إلى آفاق الجزيرة، يقول المسيّب بن علس (١):

فلأهدينّ مع الرياح قصيدة ... منى مغلغلة إلى القعقاع (٢)

ترد المياه فما تزال غريبة ... فى القوم بين تمثّل وسماع

فقصيدته تنتشر فى القبائل، ويرددها الناس مستمعين إليها ومتمثلين بأبياتها، ويقول عميرة بن جعل نادما على هجائه لقومه وشيوعه فى العرب وأنه لم تعد له حيلة فى رده (٣):

ندمت على شتم العشيرة بعد ما ... مضت واستتبّت للرواة مذاهبه

فأصبحت لا أسطيع دفعا لما مضى ... كما لا يردّ الدّرّ فى الضّرع حالبه

فرواية الشعر فى العصر الجاهلى كانت هى الأداة الطيعة لنشره وذيوعه، وكانت هناك طبقة تحترفها احترافا هى طبقة الشعراء أنفسهم، فقد كان من يريد نظم الشعر وصوغه يلزم شاعرا يروى عنه شعره، وما يزال يروى له ولغيره حتى ينفتق لسانه ويسيل عليه ينبوع الشعر والفن. ونصّ صاحب الأغانى على سلسلة من هؤلاء الشعراء الرواة الذين يأخذ بعضهم عن بعض، وقد بدأها بأوس بن حجر التميمى، فعنه أخذ الشعر ورواه حتى أجاد نظمه زهير بن أبى سلمى المزنى، وكان له راويتان كعب ابنه والحطيئة، وعن الحطيئة تلقن الشعر ورواه هدبة بن خشرم العذرى، وعن هدبة أخذ جميل صاحب بثينة، وعن جميل أخذ كثيّر صاحب عزّة (٤).


(١) المفضليات ص ٦٢.
(٢) مع الرياح: يريد أنها تذهب كل مذهب، مغلغلة: نافذة تنفذ فى الناس وتسلك إليهم السبل البعيدة.
(٣) الشعر والشعراء ٢/ ٦٣٢ وقارن مع المفضليات ص ١٠٠.
(٤) أغانى (طبعة دار الكتب) ٨/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>