للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباسى هذا المعنى طويلا محاولا الخلوص إلى بعض الأفكار المستحدثة، من مثل قول أبى الشيص مخاطبا أحد ممدوحيه وواصفا نحول نوقه ونحول راكبيها (١):

أكل الوجيف لحومها ولحومهم ... فأتوك أنقاضا على أنقاض (٢)

ولقد أتتك على الزمان سوا خطا ... فرجعن عنك وهنّ عنه رواضى

وتحول الشاعر العباسى فى أحيان كثيرة من وصف الصحراء ومسالكها وسمومها وحيوانها إلى وصف الرياض فى الحاضرة ومناظرها البهيجة فى الربيع، ومن خير ما يصور ذلك قصيدة أبى تمام فى مديح المعتصم التى يستهلها بقوله (٣):

رقّت حواشى الدّهر فهى تمرمر ... وغدا الثّرى فى حليه يتكسّر (٤)

وقد مضى يتحدث فى إسهاب عن جمال الطبيعة فى الربيع، وكأنه يتخذ منه رمزا لعصر المعتصم. واتخذوا أحيانا من وصف السفن ورحلتها فى الأنهار صورة مقابلة لرحلة البعير فى الصحراء، مثل قول بشار فى إحدى مدائحه للمهدى (٥):

وعذراء لا تجرى بلحم ولا دم ... قليلة شكوى الأين ملجمة الدّبر (٦)

إذا ظعنت فيها الفلول تشخّصت ... بفرسانها لا فى وعوث ولا وعر (٧)

تلاعب تيّار البحور وربما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجرى

وجعلتهم موجة المجون الحادة فى العصر يصفون فى مقدمات مدائحهم الخمر أحيانا، واستهل ذلك بشار، وتوسع فيه مسلم وأبو نواس وأبو العناهية سعة شديدة. وعنوا على نحو ما عنى الشاعر القديم ببثّ الحكم فى قصائدهم، وكان قد ترجم كثير من الحكم الفارسية والهندية واليونانية، فأفادوا من ذلك كله ونثروه فى تضاعيف مدائحهم، مضيفين إليه كثيرا من تأملاتهم فى الحياة والطباع، من مثل قول أبى تمام فى فضل المحسود ونقص الحسود (٨):


(١) ابن المعتز ص ٧٦.
(٢) الوجيف: السير السريع.
(٣) الديوان (طبع دار المعارف) ٢/ ١٩١ وطبعة بيروت ص ١٣٩.
(٤) تمرمر: تموج لينا ونعومة. الثرى: التراب ويريد به النبات. ويتكسر: يتثنى.
(٥) أغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ٢٤٢.
(٦) الأين: الإعياء.
(٧) الفلول: الجماعات. ووعوث: جمع وعث وهو المكان السهل.
(٨) الديوان (طبع دار المعارف) ١/ ٤٠٢ وطبعة بيروت ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>