للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونراه فى أول قصيدة لقى فيها المأمون يصرح له فيها كما قدمنا بأنه مشغوف بحب آل محمد، تقربا إليه وزلفى، حتى ليزعم أنه من شيعة الكوفة، يقول متحدثا عن قصيدته (١):

ووسيلتى فيها إليك طريفة ... شام يدين بحبّ آل محمّد

نيطت قلائد عزمه بمحبّر ... متكوّف متدمشق متبغدد (٢)

حتى لقد ظن الغواة-وباطل- ... أن قد تجسّم فىّ روح السيّد (٣)

ومعنى ذلك أن تشيعه فى القصيدتين جميعا إنما كان فى سبيل المأمون، يحاول أن يمتّ إليه بما يعطفه عليه. وفى أخباره أن الحسن بن رجاء لا حظ عليه وهو عنده أنه يصلى صلاة خفيفة لا يطيل فيها (٤)، وتوسع بعض الباحثين فى الخبر فقالوا إنه لا حظ عليه تقصبره فى أداء الفروض الدينية (٥). وديوانه وما به من مواعظ دينية يشهد على صحة إسلامه، وأيضا ففيه قصبدة وصف بها حجّة حجّها (٦).

وليس فى ديوانه وراء ذلك ما يصور أنه كان عابثا أو ماجنا. يلهو ولكن بقسطاس وكأن خصومه حاولوا أن يغضّوا منه فزيّفوا عليه الخبر السالف طعنا عليه ومحاولة للنقص منه. أما الخبر الذى يذكر فيه أنه كان له غلام رومى وللحسن بن وهب غلام خزرى وكل منهما يتعشق غلام صاحبه (٧)، فهو أدنى إلى الفكاهة، ولعل غلام أبى تمام المذكور هو الذى كان ينشد شعره. والحق أنه كان وقورا وكان يترفع عن الدنايا، وكان مخلصا لدينه كما كان مخلصا لعروبته.

وشعر أبى تمام زاخر بما يدل على أنه انقضّ على معارف عصره انقضاضا حتى تمثّلها تمثلا دقيقا، وخاصة التاريخ وعلم الكلام وما يتصل به من الفلسفة والمنطق، أما التاريخ فيتضح فى كثير من جوانب مديحه، وخاصة حين يعرض لقبيله الممدوح ووقائعها وأمجادها فى الجاهلية والإسلام على نحو ما يلقانا فى قصائده (٨) لخالد بن


(١) الديوان (طبع دار المعارف) ٢/ ٥٥.
(٢) بمحبر: يقصد نفسه وأنه يحبر القصائد ويجودها. متكوف يقصد أنه كوفى تشيعا. متبغدد: يقصد أنه ظريف من أهل بغداد.
(٣) السيد: يريد السيد الحميرى المشهور بتشيعه.
(٤) الصولى ص ١٧٢.
(٥) انظر مقالة مرجليوث عن أبى تمام فى دائرة المعارف الإسلامية.
(٦) الديوان (طبعة بيروت) ص ٣٧٩.
(٧) الصولى ص ١٩٤.
(٨) الديوان (طبع دار المعارف) ١/ ١٩٤ وانظر ١/ ٨٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>