للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزيد بن مزيد الشيبانى ومالك بن طوق التغلبى، وكذلك حين يقرن وقائع بعض الأبطال ودويها فى الخافقين إلى وقائع جاهلية وإسلامية مشهورة على نحو ما نرى فى تمجيده لانتصار إسحق بن إبراهيم المصعبى على المحمّرة بالجبل (١)، وكان يعرف كيف يحول التاريخ شعرا على شاكلة قوله فى إحدى قصائده لخالد بن يزيد الشيبانى وانتصار قومه فى يوم ذى قار المشهور على الفرس (٢):

لهم يوم ذى قار مضى وهو مفرد ... وحيد من الأشباه ليس له صحب

به علمت صهب الأعاجم أنه ... به أعربت عن ذات أنفسها العرب (٣)

هو المشهد الفصل الذى ما نجا به ... لكسرى بن كسرى لاسنام ولا صلب (٤)

وكانت تميم قبل هذا اليوم أصابها جدب شديد، فابتغت الرّعى فى أرض العراق، وكاتب والى الحيرة كسرى هل يأذن لهم فى الرعى؟ فاشترط أن يقدّموا رهائن منهم، ولما طلبت من رئيسهم حاجب بن زرارة، قال: ليس معى إلا قوسى، فاسترهنوها منه، ووفى لهم بما وافقهم عليه. فصار ذلك معدودا فى مناقب بنى تميم. وإلى ذلك يشير أبو تمام فى قصيدة يمدح بها أبا دلف متحدثا عن المنقبة الكبرى لشيبان يوم دى قار، إذ فتكوا بالفرس الذين كسوا تميما منقبة القوس وأدالوا منهم للعرب والعروبة، مسجلين هذا المجد الحقيقى على التاريخ، يقول (٥):

إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... وزادت على ما وطّدت من مناقب

فأنتم بذى قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب

محاسن من مجد متى تقرنوا بها ... محاسن أقوام تكن كالمعايب

مكارم لجّت فى علوّ كأنما ... تحاول ثأرا عند بعض الكواكب

وقد تحدثنا فى الفصل السابق عن تعمقه فى مذاهب المتكلمين وفى الفلسفة والمنطق تعمقا جعله ينشر فى معانيه الأضداد المتنافرة نشرا يدخل البهجة على


(١) الديوان ٣/ ٣٠٠ وما بعدها.
(٢) الديوان ١/ ١٩٥.
(٣) صهب: شقر شعر الرأس، ويوصف الأعاجم بالشقرة لغلبة ذلك عليهم.
(٤) السنام: كناية عن النوق. والصلب هنا: كناية عن الخيل.
(٥) الديوان (طبع دار المعارف) ١/ ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>