للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النادرة، محتكما إلى قانونى التضاد والقياس وإلى كثرة التوليد والاستنباط، وأما الخصائص الزخرفية فتتضح فى روعة تصاويره وكثرة بديعه، بل نحن لا نحقق حين نفصل بين الضربين من الخصائص، إذ هما يتزاوجان عنده تزاوجا رائعا بحيث يصبح الزخرف عملا عقليا والعمل العقلى زخرفا نادرا لا يكاد يتعلق به أحد.

والمديح أهم الأغراض التى تتجلّى فيها خصائصه، وهو فى كثير منه، بل فى جمهوره، يحتفظ بالمقدمة الطللية وما يتصل بها من التشبيب والنسيب، مودعا فيها كثيرا من لفتاته وخواطره النادرة التى تدل على سعة خياله وتأمله الطويل وأنه يخضع التفكير للشعر، وكأنه فيلسوف يخضع فلسفته للشعر أو شاعر يخضع شعره للفلسفة والفكر الدقيق، وهل هناك جانب فى شعره إلا وهو يفكر فيه تفكيرا متصلا، وهو تفكير كان يعرف كيف يصوغ به خواطره وكيف يبرزها فى معارض من التصاوير والحكم الرشيقة من مثل قوله فى تصوير أيام عشقه الماضية (١):

أعوام وصل كاد ينسى طولها ... ذكر النّوى فكأنها أيام

ثم انبرت أيام هجر أردفت ... بجوى أسى فكأنها أعوام

ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام

وواضح أن قانون التضاد يلعب بأقواسه الأرجوانية فى هذه الأبيات، فالأعوام أيام، والأيام أعوام، وأوقات الصحو الممتعة أحلام. ومن طريف حكمه فى الغزل والنسيب قوله (٢):

أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها ... بالدّمع أن تزداد طول وقود

وقوله (٣):

أحلى الرجال من النساء مواقعا ... من كان أشبههم بهنّ خدودا

وقد ردّد كثيرا فى تضاعيف نسيبه شكواه المرة من الزمن وما ينزله به من الخطوب والكوارث، حتى ليقول ضجرا متأففا منه ومن سياسته الخرقاء (٤):


(١) الديوان ٣/ ١٥١.
(٢) الديوان ١/ ٣٩٢.
(٣) الديوان ١/ ٤١٥.
(٤) الديوان ٢/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>