للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا حظت النّوّار وهى مريضة ... وقد وضعت خدّا إلى الأرض أضرعا (١)

كما لاحظت عوّاده عين مدنف؟ ؟ ؟ ... توجّع من أوصابه ما توجعا (٢)

وبيّن إغضاء الفراق عليهما ... كأنهما خلاّ صفاء تودعا (٣)

وظلت عيون النّور تخضلّ بالندى ... كما اغرورقت عين الشجىّ لتدمعا (٤)

وأزكى نسيم الروض ريعان ظلّه ... وغنى مغنّى الطير فيه فسجّعا (٥)

وكانت أرانين الذّباب هناكم ... على شدوات الطير ضربا موقّعا (٦)

وهو يصور وداع الشمس للطبيعة ساعة الغروب وما ترسل من الشفق الأصفر الشبيه بنبات الورس وزهره، وأشعتها تتبدّد إلا بقايا قليلة، فهى توشك أن تلفظ أنفاسها، وقد غلبها النزع الأخير فهى تذل وتستكين وتضع خدها على الأرض إيذانا بالفراق وإعلانا لما ألم بها من شدة الأوصاب والآلام، آلام الوداع المرير للنوار والأزهار التى تترقرق عيونها بندى بل بدمع سخين كما تترقرق بالدموع عيون المحبين المحزونين. على حين كان النسيم العليل يزكو وينمو والطير يشدو مرجعا ومرددا، وحتى الذباب لا ينساه ابن الرومى فقد كان رنينه يخالط شدو الطير وغناءه. ولم يكن الصنوبرى يبلغ هذا المبلغ من الإحساس بالطبيعة وعناصرها الحية، ومع ذلك فهو أهم شعرائها فى العصر بعد ابن الرومى، إذ عاش مشغوفا برياض بلدته حلب شمالى الشام وحدائقها وأزهارها، وأشعاره لا تصور فتنة عميقة بتلك الرياض على نحو ما نجد عند ابن الرومى، وإنما تصور براعة فى الخيال وإبراز الصور الظاهرية أو؟ ؟ ؟ .

والطريف عند الصنوبرى وابن الرومى جميعا أنهما يعنيان بتصوير الفواكه والثمار بجانب عنايتهما بتصوير الرياحين والورود والرياض، ومما يدل على أن موضوع الطبيعة ازدهر فى العصر أن نجد حينئذ فصولا تفرد لها فى بعض الكتب مثل كتاب


(١) أضرع: ذليل.
(٢) مدنف: مريض سقيم.
(٣) إغضاء الفراق: وحشته وكآبته.
(٤) تخضلّ: تترقرق وتندى. اغرورقت العين بالدموع: جالت بها.
(٥) أزكى: نمحّى.
(٦) أرانين: جمع إرنان أى رنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>