للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموشى، فإن به فصلا خاصّا لما نظم فى وصف الورود، بل قد نجد كتبا فيها مثل كتاب مفاخرة الورد على النرجس لابن أبى طاهر أحد شعراء العصر النابهين.

ويدخل فى وصف الطبيعة وصف حيوانها الوحشى، ونرى البحترى يسوق مبارزة الفتح بن خاقان للأسد فى بعض مدائحه وكان قد خرج إلى الصيد، ففاجأه أسد فى طريقه، فنازله، وقتله، وصور ذلك البحترى فى مدحة بائية للوزير نراه فيها يتحدث حديثا مفصلا عن حياة الأسد فى الغابات والرياض وبطون الأودية وأعاليها، وكيف يهجم على قطعان الحمر وبقر الوحش وكيف يستلب عقائلها وينحرها لأشباله، ثم يصور المعركة بين الأسدين، إلى أن خرّ السبع يتضرج فى دمائه، يقول (١):

فلم أر ضرغامين أصدق منكما ... عراكا إذا الهيابة النّكس كّذبا (٢)

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا ... وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

فلم يغنه أن كرّ نحوك مقبلا ... ولم ينجه أن حاد عنك منكّبا

حملت عليه السيف لا عزمك انثنى ... ولا يدك ارتدّت ولا حدّه نبا

ولا يكتفى البحترى بوصفه لهذا الحيوان الوحشى، فقد تصادف أن لقيه ذئب فى بعض أسفاره، فنازله وقضى عليه، وأفاض فى تصوير هذا الذئب مستمدّا من ملكته البارعة فى تصوير الحسيات تصويرا يجسد ما يصفه تجسيدا قويّا؛ على شاكلة قوله (٣):

وأطلس ملء العين يحمل زوره ... وأضلاعه، من جانبيه شوى نهد (٤)

له ذنب مثل الرّشاء يجرّه ... ومتن كمتن القوس أعوج منأدّ (٥)

طواه الطّوى حتى استمرّ مريره ... فما فيه إلا العظم والروح والجلد (٦)


(١) الديوان ١/ ٢٠٠.
(٢) الضرغام: الأسد. النكس: الجبان الضعيف.
(٣) الديوان ٢/ ٧٤٣.
(٤) أطلس. مغير إلى سواد. الزور: الصدر. الشوى: اليدان والرجلان. نهد: بارز.
(٥) الرشاء: الحبل. منأد: معوج.
(٦) طواء الطوى: أضمره الجوع: استمر سريره: قوى واشتد.

<<  <  ج: ص:  >  >>