للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقضقض عصلا فى أسرّتها الرّدى ... كقضقضة المقرور أرغده البرد (١)

سمالى وبى من شدة الجوع مابه ... ببيداء لم تعرف بها عيشة رغد (٢)

كلانا بها ذئب يحدّث نفسه ... بصاحبه والجدّ يتعسه الجدّ

وهو يصف لون الذئب المغير إلى سواد، وأعضاءه المكتنزة من الصدر والأضلاع واليدين والرجلين، وذنبه الرفيع ومتنه الصلب، وكيف أضامره الجوع وعزله حتى لم يبن فيه إلا العظم والجلد، وهو يصوّت بأنياب صلبة معوجة كأنها السكاكين القاطعة وكأنه مقرور تصطك أسنانه من شدة البرد وهوله. وقد التقيا فى فلاة موحشة، كأنما استحال البحترى فيها لجوعه بدوره ذئبا مفترسا. ويحدثنا البحترى عقب ذلك عن استثارته للذئب ونزاله وطعناته فيه حتى خرّ صريعا. ويشتهر البحترى بوصفه للخيل وإتقانه لهذا الوصف حتى ليسبق فيه معاصريه بمثل قوله فى وصف فرس (٣):

يهوى كما تهوى العقاب وقد رأت ... صيدا وينتصب انتصاب الأجدل (٤)

وتراه يسطع فى الغبار لهيبه ... لونا وشدّا كالحريق المشعل (٥)

هزج الصهيل كأنّ فى نغماته ... نبرات معبد فى الثقيل الأول (٦)

ملك العيون فإن بدا أعطينه ... نظر المحبّ إلى الحبيب المقبل

والفرس يسرع كأنه عقاب تنقض على فريسة، ويقف منتصبا انتصابا تامّا كالصقر المترقب، وكأنه حين يجرى فى الغبار المتكاثف شعلة نار أو كأنه البرق الخاطف، وإن لصيهله لرنينا جميلا جمال أنغام معبد المغنى المشهور فى العصر الأموى، وإنه ليسحر العيون حين تنظر إليه حتى ليقيدها به كما يقيدها المحبوب فلا تلتفت عنه يمينا ولا يسارا. ويكثر حينئذ وصف الديك والهرّ، وأهم من ذلك أنه يكثر شعر الطرد والصيد.


(١) يقضقض عصلا: يصوت بأنياب معوجة: أسرتها: خطوطها. الردى: الهلاك. المقرور: الذى يحس البرد بشدة.
(٢) رغد: ناعمة.
(٣) الديوان ٣/ ١٧٤٥.
(٤) العقاب: من الجوارح ومثلها الأجدل وهو الصقر.
(٥) الشد: ارتفاع النار.
(٦) معبد: أشهر مغن فى العصر الأموى. الثقيل الأول لحن كان يودع فيه أكثر أغانيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>