للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الشعراء منذ العصر العباسى الأول يلمون بوصف الأطعمة وألوانها الحضارية الجديدة، ونراهم فى هذا العصر يكثرون من وصفها ويخصونها بقصائد طويلة، ويروى المسعودى فى كتابه «مروج الذهب» مجلسا للخليفة المستكفى جعله لإنشاد جلسائه وندمائه-ما نظمه الشعراء فى أنواع الطعوم المختلفة، وليس من شك فى أن ابن الرومى يعدّ أكبر من عنى بوصفها، وكان منهوما بالطعام، فكاد لا يترك لونا من ألوانه دون أن يخصه بقصيدة أو مقطوعة، من مثل قوله فى دجاجة مشوية وما قدّم معها من الثريد والمرققات والقطائف (١):

وسميطة صفراء ديناريّة ... ثمنا ولونا زفّها لك حزور (٢)

عظمت فكادت أن تكون إوزّة ... وثوت فكاد إهابها يتفطّر (٣)

ظلنا نقشّر جلدها عن لحمها ... وكأن تبرا عن لجين يقشر

وتقدّمتها قبل ذاك ثرائد ... مثل الرياض بمثلهن يصدّر

ومرقّقات كلهن مزخرف ... بالبيض منها ملبس ومدثّر (٤)

وأتت قطائف بعد ذاك لطائف ... ترضى اللهاة بها ويرضى الحنجر

ويخيل إلى الإنسان أنه لم يترك على موائد عصره طعاما إلا وصفه وصوّره مبدعا فى تصويره سواء أكان من طعام اللحوم أم طعام السمك، وربما كان من أسباب اهتمامه بذلك عناية معاصريه بالولاثم، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أنّهم أكثروا حينئذ من التأليف فى الأطعمة، وأيضا فإن أشعاره تدل على شدة نهمه بالأطعمة وحدة شراهته، وكأن السببين جميعا جعلاه يولع بالحديث عن المآكل والمشارب، ومن طريف قوله فى الرءوس والأرغفة (٥):

روس وأرغفة ضخام فخمة ... قد أخرجت من جاحم فوار

كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار


(١) الديوان ص ٤٧٨ وذيل زهر الآداب ص ٢٣٦.
(٢) حزور: غلام فيه فتوة دينارية: نسبة إلى الدينار. سميطة: دجاجة مسموطة.
(٣) إهابها: جلدها. يتفطر: يتشقق.
(٤) ملبس ومدثر: مغطى.
(٥) ذيل زهر الآداب ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>