للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين إلفين موصوفين بالكرم

تذاكرا الحرب فاحتالا لها شبها ... من غير أن يأثما فيها بسفك دم

هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحرب لم تنم

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركة ... فى عسكرين بلا طبل ولا علم

ويبدو أنهم بلغوا حنيئذ مبلغا بعيدا من المهارة فى لعب الشطرنج، وكانوا يعقدون له مجالس يتفرجون فيها على لاعبيه وحذقهم فيه، وكانوا يملئونها بفنون النوادر، وممن اشتهر حينذاك بالبراعة فى لعبه وإحسانه إحسانا يفوق كل وصف أبو القاسم التوزّى الشطرنجى. ووصف ابن الرومى مهارته فى قصيدة طويلة وصفا رائعا، استهله ببيان نفاذ فكره وبصيرته فى تلك اللعبة، وكيف أنه كان يهزم كل من يلاعبه ويعصف به وبجنوده ورخاخه بتدبيره اللطيف الخفى، حتى ليوشك أن يكون أخفى من السر فى ضمير محب أدّبته عقوبة الإفشاء، وما يلبث أن يخاطبه بقوله (١):

غلط الناس لست تلعب بالشطرنج ... لكن بأنفس الّلعباء

لك مكر يدبّ فى القوم أخفى ... من دبيب الغذاء فى الأعضاء

أو دبيب الملال فى مستهامي‍ ... ن إلى غاية من البغضاء

او مسير القضاء فى ظلم الغي‍ ... ب إلى من يريده بالتواء

تقتل الشاه حيث شئت من الرّق‍ ... ‍عة طبّا بالقتلة النكراء

غير ما ناظر بعينيك فى الدّس‍ ... ت ولا مقبل على الرّسلاء

بل تراها وأنت مستدبر الظه‍ ... ر بقلب مصوّر من ذكاء

ما رأينا سواك قرنا يولّى ... وهو يردى فوارس الهيجاء

وأبو القاسم-فى رأى ابن الرومى-لا يلعب بالشطرنج ولكن يلعب بأنفس لاعبيه بدهاء أشد خفاء من سريان الغذاء فى الجسم، بل سريان الملال فى متحابين حتى ينتهى بهما إلى حافة البغضاء، بل مسير القضاء فى حجب الغيب إلى من


(١) الديوان ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>