للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ يجلل شعره يأس عميق، وحقّا كان يكبّ كثيرا على اللهو يغرق فيه أحزانه.

ولكنها كانت أعظم من أن تغرق أو تنمحى من نفسه، ولعل ذلك ما جعله يكثر من الفخر بشجاعته، وهو يخاف الترك وغير الترك ويتملق عمومته وأبناءهم خوفا على حياته وإيثارا لعافيته.

وتلك هى مكونات شخصيته، بيئة مترفة ينغمس من فيها فى ضروب عدة من اللهو والمتاع بالحياة، وثقافة عربية إسلامية محافظة، وأحداث خطيرة جعلت الشر يلمّ به مبكرا، وتدلهمّ من حوله الخطوب، فيفكر فى الحياة والموت وما فى الدنيا من بؤس وآلام، وكأنما كتب عليه ألا يشرب كئوس الترف واللهو صافية، فدائما أو قل كثيرا ما تمتزج بها صور من الضيق بالحياة وما فيها من شر ونكر وما ينتظر الإنسان من مصيره المحتوم، وابن المعتز مع ذلك كله غزل ظريف حلو الدعابة جميل المحضر يألفه كثير من الأدباء.

ويبدو أن أكبر شاعر محدث كان يعجب به هو البحترى، فقد روى عنه أنه قال: كان مما حبّب الشعر إلىّ أنى سمعت البحترى ينشد الماضى (يريد أباه المعتز) شعرا تشوّقه الناس واستحسنوه ووصفوه، تصرّف فيه بغزل ووصف ومدح وشكر، وعدّد أصناف ما أخذ، وطلب خاتم ياقوت، وهو عندى من أحسن شعره، وهو:

بودّى لو يهوى العذول ويعشق ... فيعلم أسباب الهوى كيف تعلق (١)

والبحترى يستهل القصيدة بغزل ملئ بالشوق إلى علوة صاحبته الحلبية، ويصف طيفها الذى ألمّ به فى حلمه ولهفته على لقائها، وعناقها وصبابته بها ودموعهما وقبلاتهما والتصاق خددوهما حين يلتقيان، حتى ليقول:

فلو فهم الناس التّلاقى وحسنه ... لحبّب من أجل التلاقى التفرّق

ويفيض فى مديح المعتز وما أضفى عليه من عطايا، ويستوهبه فى رقة ولطف خاتما. ويلفتنا إعجاب ابن المعتز بهذه القصيدة التى أنشدها البحترى أباه وسنه


(١) أخبار البحترى ص ١٠٨ والتحف والهدايا للخالديين نشر الدكتور سامى الدهان ص ٧٣ وانظر الديوان ٣/ ١٥٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>