[استعجال العذاب]
إذا ذكر العباد بالله كان حالهم أنهم يستعجلون عذاب الله، ويقولون: أين عذاب الله؟ كثير من الناس قد لا يقول هذا بلسانه، ولكن يقوله بحاله، لأنه لم يتب {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:١٢].
وإذا لم يستغفروا الله، ولا بالوا بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذاًَ كأنهم يقولون: أين ما وعد الله به من العذاب؟ الوعاظ والخطباء يوم الجمعة، والناصحون، والمذكرون، يقولون لنا: إن عصينا الله فسوف يُعذبنا، وإن اتقينا الله فسوف يُنعم علينا، فيأتي الشيطان ويقول: كم عصينا الله؟ ولم يحصل إلا استمرار النعم، لا يوجد إلا نعمة الزاد.
لا.
هذا جهل، وهذا ضلال عظيم، ولا تنظر إلى كرمه، ولا تنظر إلى استدراجه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تنظر إلى إمهاله للمجرمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه إذا أخذ فإنه يأخذ أخذ عزيز مقتدر، منتقم جبار، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا تنظر إلى ذلك وانظر إلى أن هذا الباب، يجب أن يستغل، إن زاد الخير فهو استدراج {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:٤٤] يفتح الله أبواب كل شيء، إذا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء.
لا تقل كما قال الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:٢٠٤ - ٢٠٧] كم عمرك يا مسكين؟ تقول: أنا من حين خلقت وأنا أعصي الله وما أصابني شيء، هذا العمر كم سنة يكون؟ لقد أهلك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من كان قبلنا من القرون الذين أخبرنا الله تبارك وتعالى عنهم {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [سبأ:٤٥].
كم المعشار؟ قال المفسرون في المعشار: هو عشر العشر {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم:٩].
الله أكبر! عمروا الأرض، وزرعوا، وبنوا أكثر منا، وكانوا أكثر منا أموالاً، وأولاداً، ومع ذلك أهلكهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأخذهم بذنوبهم؛ وإن كان قد أمهلهم ما أمهلهم {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء:٢٠٤].
لا والله، لا نستعجل عذاب الله {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٧] تذهب تلك النعمة في لحظة انتقام واحدة ويفرون ويركضون، لو جاء زلزال -عافانا الله وإياكم- ادعوا الله دائماً أن يعافينا وإياكم من الزلازل والفتن.
الزلازل هذه أمرها عظيم، وشأنها خطير، وقد كانت هذه الجزيرة العربية في منأى وفي مأمن عنها كما كانوا يقولون، يقولون: إن جزيرة العرب وهذه الجبال التي يُسمونها الدرع العربي في مأمن من الزلازل إلى أن حدث قبل سنوات زلازل في مناطق قريبة، والآن تسجل هزات على طول الساحل -نسأل الله العفو والعافية- وفي كل منطقة تقريباً تسجل هزات خفيفة وقد تكون قريبة مما يكون بعده الدمار والناس في غفلة.
لكن لو نزلت لركض الناس وهربوا، وأول ما يخرج منه الإنسان ويهرب منه ربما ذلك البيت الذي أفنى عمره كله وهو يزخرفه ويزينه، ويشتري الثريات من مكان، والبلاط من مكان، والزينة من مكان، ويهتم به أعظم الاهتمام، ولهذا يقول تعالى: {لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} [الأنبياء:١٣] لا يفكر لا في مسكنه ولا في شيء آخر، يريد أن ينجو فقط بنفسه، تصبح الأرض مثل الماء فلا تضع رجلك إلا وتنزلق فيها {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣].
والله ما هي من الظالمين ببعيد، ولا يدفعها إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا تستطيع قوة، ولا معدات، ولا آلات، ولا وسائل إنقاذ، ولا أي شيء أن يدفعها إذا جاءت هي أو غيرها إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نجأر ونتضرع إلى الله، وألا نستعين على معصية الله بنعمه.
الإنسان الآن يأكل نعمة الله، والموسيقى تعزف في وسيلة من وسائل الإعلام أو أمامه، نقول: الأمم والقرى قبلنا، ونحن نفعل مثل ما فعلوا وأكثر، أين شكر نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يؤذن المؤذن ويصلي الناس، والموسيقى تعزف والغناء يسمع في السيارة أو في البيت ونحن غافلون.
سبحان الله! هذا نذير النجاة، أم نذير الهلاك؟ يذهب الناس للاستسقاء ويستغيثون الله أن يغيث هذه البلاد وأن يرحمها -نسأل الله أن يستجيب لنا إنه سميع مجيب- وبعضهم يسمع الغناء والملاهي في البيت أو في السيارة في غفلة تامة، وربما كانوا في المقاهي يلهون ويلعبون، وهذا والله نذير الهلاك، هذا نذير العذاب إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.