للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الترقي في درجات التوحيد]

كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من الذين ضربوا المثل الأعلى في تحقيق التوحيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً ثلاث عشرة سنة إلا ليحقق شهادة أن لا إله إلا الله، فهذا أمر ليس هيناً، فما نزلت الصلاة إلا لتكمل ولتزيد شعبة من شعب لا إله إلا الله.

وأما في المدينة فنزلت الزكاة والصيام وهما شعبتان من شعب لا إله إلا الله، ومن شعب الإيمان أيضاً لتكون كل حركات، وسكناته المرء لله {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

فهكذا يجب أن يكون المؤمن، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان}.

فكل أعمال البر وكل أعمال الخير كما هو في مذهب أهل السنة والجماعة - شعب من شعب الإيمان، فإذا حققت ما أمر الله في توحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما بينك وبينه، وفيما بينك وبين الناس، وفيما بينك وبين نفسك في كل أمر، فأنت في ذلك تحقق التوحيد وترتقي في درجات الإيمان والتوحيد.

وهكذا أوصانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {اتق الله حيثما كنت} فهذا هو جانب المعاملة مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فضع هذا في حسبانك، واتق الله حيثما كنت، وأينما كنت في سرك وعلنك في بيتك وفي المسجد أو في أي مكان {اتق الله حيثما، كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها}.

فكلما راودتك نفسك وعملت المعصية -وهي أمارة بالسوء وهي لا بد فاعلة- فأتبع السيئة حسنة تمحو لك تلك السيئة، وأما مع الناس فعاملهم بخلق حسن، فإذا أصلحت سريرتك، وإذا حققت هذا فأنت ترتقي في درجات الإيمان والتوحيد، حتى تصبح من المحسنين الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبين درجة الإحسان حين قال له جبريل عليه السلام: {فاخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.

أي: أن تعبد الله كأنك تراه، فحين تصلي ولا أحد من الناس يتهمك في شيء لأنك تصلي ولكن أن شيئاً من هذه الصلاة -ولو قل- لغير الله فتحاسب نفسك، لماذا كان شيء من هذه الصلاة في غير ما أمر الله ولم يكن لله؟ وأيضاً حين تنفق المال وأخرجت منه درهماً أو ديناراً لغير الله، فتذكر أن هذا لغير الله، وحين تطلب العلم تعلماً أو تعليماً فعليك أن تنظر وأن تتفكر في نفسك هل هذا الشيء لله أو لغير الله؟ نسأل الله أن يجعل أعمالنا جميعاً خالصةً لوجهه الكريم فهذا هو تحقيق التوحيد.