[إشعال حماسة الدين في الناس أجمعين]
فلا بد أن نجعل المرأة العجوز، والشيخ الكبير، والغلام الصغير، وكل إنسان في المجتمع يشعر بواجبه كما شعر أجدادنا بواجبهم من قبل، وقبورهم شاهدة عليهم، فهذا أبو أيوب الأنصاري في القسطنطينية، وبعضهم في بلاط الشهداء في فرنسا، وبعضهم في خراسان، فهم خرجوا بأموالهم وأنفسهم يدعون إلى الله، وينشرون هذا الدين، فأعزهم الله وأظهرهم وأورثهم الأرض، وهذا فضل الله القائل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].
فلو أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أرادوا أن يسابقوا الروم أو الفرس في الحضارة والصناعة والتقدم متى يلحقوا بهم؟ لكنهم أتوا من أقصر الطرق، من باب الهداية، فلما أتوهم من هذا الباب أورثهم الله حضارة أولئك القوم، وجاء ملوك الروم والفرس مصفدين في الأغلال مقيدين إلى مائدة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيداً لهؤلاء القوم، لما قالوا: لا إله إلا الله بحق وبيقين، ولما آثروا الآخرة على الدنيا، جاءتهم الدنيا راغمة، حتى كان الرجل يخرج بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.
وقد وقع ذلك في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، لكنا لما أردنا الدنيا، ما استطعنا أن ننافس أمريكا اليوم، أو حتى ولاية من ولاياتها حتى ما عندنا من مصانع وأشياء.
ففي الغالب أن كثيراً منها قد استورد استيراداً منهم! فنحن نسابق بطريق طويل، ولدينا طريق أسهل وأقل تكلفة، ولكنه أعز وأشرف وأعظم وهو اللائق بهذه البلاد.
لا نقول: أقفلوا المصانع، ولا تأخذوا من الحضارة المادية شيئاً، بل نحن أولى بها، لكن يجب أن نعلم الحكمة من خلقنا، ويجب أن تسخر هذه الجهود وهذه الإمكانيات لخدمة ديننا، ولا نقدم عليه شيئاً، فإذا تعارضت دنيانا مع الدين فإننا نقدم الدين، فالأصل الدين؛ والدنيا تبع له، فإذا كنا كذلك فإن الله لن يضيعنا، ولن يخيبنا، فسوف ننال السعادة والراحة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، وأما من أعرض عن هذا الطريق، فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا عنهم فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا ً) [طه:١٢٤]، والله إنهم ليعيشونَّ المعيشة الضنك من الجرائم، والمخدرات، والانهيارات، والدمار الخلقي، وما لا يدخل تحت الحصر من سوء الحياة والمعيشة.
ثم لنا عليهم الفضل عند الله في الجنة، -وهي أعظم شيء- فالجنة هي الثمرة التي بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الأنصار ليلة العقبة عنها، قالوا: وما لنا يا رسول الله؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل، ولا نستقيل، في الجنة موضع سوط أحدنا -كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرٌ من الدنيا وما فيها، وخير مما طلعت عليه الشمس.
نحن الآن نتنافس ونتسابق على مساحة من الأرض قد تكون مائة ألف متر، أو مليون متر، لكن موضع السوط الذي هو خير من الدنيا وما فيها قليل من يتنافس من أجله، نحن الآن نتنافس على المشروعات التي تنتج بعد سنة ربح (٢٠%)، أو (٣٠%) لكن الجنة التي أخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها أنها قيعان وغراسها ذكر الله، فإذا قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كان لك بكل كلمة من هذه الكلمات غرس نخلة أو شجرة في الجنة مثمرة، وليس كزرع الدنيا مع قلة من يشمر لها.
ولذلك يقول الله - تبارك وتعالى -: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٤٦]، فالمال، والمؤسسات، والشركات، والثروات زينة الحياة الدنيا.
ثم يقول: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاًً} [الكهف:٤٦]، جاء في الحديث تفسير لمعنى الباقيات الصالحات أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهي خير من الملك، والوزارات، والشركات، وخير من الثروات، ولا تتعارض معها، لكن اجعل مع هذا المال الذكر كما أوصى الله تبارك وتعالى وبيَّن في وصية العباد الصالحين الذين نصحوا قارون فقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:٧٧]، هكذا ينبغي أن يكون الإنسان المسلم في ماله.
وبين في آية أخرى، فقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:٣٢]، فالله تعالى لم يُحرمها على عباده المؤمنين، لكن يجب أن نسخرها لخدمة الخير والحق.
أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا ممن يعز به هذا الدين، وأن يجعلنا جنوداً لدعوته وخُدَّاماً لدينه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والحمد لله رب العالمين.