وفي أثنائها كان التتار قد بدءوا يغزون العالم الإسلامي من الشرق -كما تعلمون- وأخذوا يتقدمون ويزحفون إليه شبراً فشبراً، حتى شارفوا بغداد، وفي ذلك الوقت كان الخليفة هو المستعصم بالله، وكان وزيره من أولئك الروافض وهو المشهور بابن العلقمي، وكان أيضاً من كبار المقربين إليه أو الذين يسمون علماء الدولة، الذي يسمى الخواجة نصير الدين، وهو نصير الكفر الطوسي، كما يقول ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وابن القيم، فاتفق ابن العلقمي وابن أبي الحديد وأمثالهم وذهبوا إلى هولاكو الوثني الزنديق، الذي لا يؤمن بأي دين ويعبد النار لأنه مجوسي واتفقوا معه على أن يدخل بغداد بالقوة، وزينوا له ذلك وهو يتردد ثم يتردد، حتى تم الصلح بينه وبين الخليفة وكأن الأمر قد عاد إلى وضع طبيعي لا حرب معه ولا شيء.
وإذا بأولئك المجرمين يخططون لمؤامرة كان منها أنهم فتحوا الأنهار والسدود على جيوش الخليفة المستعصم، فأغرقوهم بعد أن سرّحوا أكبر قدر منهم، وذهبوا في نفس الليلة إلى هولاكو، فقالوا له: إن ذلك الرجل قد ضعف، وإن ملكه قد ذهب، وإن جنوده قد غرقوا، وهذه من كراماتك فادخل إلى بغداد وأعمل فيها بالسيف، وكان أولئك -أعداء الله- يظنون أنه سيقظي على ملك أهل السنة، ثم يولِّيهم هم فيصبحوا هم الحكام.
إن أعدى عدو لهم هم أهل السنة والجماعة، هذا أعدى عدو لأهل المؤامرة قديماً وحديثاً، وتردد هولاكو وقال: بلغنا أن من أراق قطرة من دم أحد من آل محمد فإن ملكه يتمزق وينتثر، فقالوا: نحن نأتيك بالفتوى؛ تقتل الخليفة دون أن تراق قطرة واحدة من دمه، قالوا: نلفه في الخيش ونضربه بالهراوات حتى يموت، فوافقهم هولاكو، ودخل إلى بغداد فجأة، وقبض على بني العباس، أليسوا من آل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أين محبة آل البيت لمن يزعمون أنهم يريدون إعادة مجد آل البيت! أو حكم آل البيت! أو محبة آل البيت! حتى ذكر المؤرخون -كما في البداية والنهاية وغيره- أنه أخذ من بيت الخلافة ألف عذراء، أخذها أولئك الأنجاس المشركون الوثنيون، واغتصبوهن!! وكثير منهن من آل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من بني العباس، وقتلوا الخليفة على الصفة وعلى الفتوى التي أفتاهم بها أولئك الروافض.
ثم انتهكوا حرمة بغداد وحصلت مذبحة عظيمة جدا، ً حتى أن أقل الأرقام التي قيلت في الذين قتلوا أنهم ثمانمائة ألف!! لأن بعضهم قالوا: أنهم مليونان (ألفي ألف).
ودخل الناس كما يقول المؤرخون ومنهم ابن الأثير وابن كثير، وحتى دخل الناس في الكنف في (المجاري تحت الأرض)، ليهربوا من سيف التتار فكان الوباء العظيم، حتى بعد أن انتهت المجزرة خرج أولئك فمنهم من مات، ومنهم من بقي على الحياة ثم خرج فكان من نتن الجيف الوباء الذي قضى على البقية، فكانت مذبحة على مذبحة ومصيبة على مصيبة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كان لهم بالمرصاد أيضاً، فإنّ أولئك القوم أذلوا ابن العلقمي وأهانوه ولم يقدروا أنه فعل هذا الفعل، بل اعتبروه خائناً، وبعد بضعة أشهر فطس وذهب إلى حيث يستحق من عند الله عز وجل وكذلك فُعِل بـ نصير الكفر الطوسي وأمثالهم.
وكان بعد ذلك المرحلة الأخرى التي أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبتلي فيها الأمة الإسلامية بهؤلاء التتار، ثم انهزم التتار، ثم ظهر الحق جلياً وساطعاً، حيث إنه في تلك الفترة كان قد ولد شَيْخ الإِسْلامِ المجدد تقي الدين أحمد بن تيمية -رحمه الله تعالى- فأظهر الله تعالى به الدين، وكان أكبر الملوك -ومنهم الناصر قلاوون وأمثاله- ممن وقفوا معه في كثير من الأمور، وهو الذي حرك العلماء وحرك الأمة، فحاربت التتار وهزمتهم وكذلك حاربت الصليبيين، ثم تحقق بعد ذلك بعث جديد للإسلام بفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.