الجانب الآخر في الحكمة، وكثيراً ما يغفل الدعاة عن هذه الجوانب، وينسون أنها من الحكمة: أنك عندما تدعو هذا الإنسان، وعندما تربيه، فإنك تحتاج معه إلى نوعين من التعامل: إلى اللين والرفق، وإلى القسوة والغلظة، هذا الجانب كثير من الدعاة لا يفقهونه، بل يظنون أن الحكمة تعني: اللين، وأن الحكمة معناها الرفق، لا بل الحكمة أن تضع اللين في موضعه، وأن تضع الشدة في موضعها، فإذا زجرت ابنك حال نصحه وعلَّمته أمراً من الأمور بالهدوء وبالإحسان فهذه من الحكمة.
فإن كبر هذا الابن، ثم علَّمته أكثر وأكثر، ففعل ما تستقبحه وقد حذَّرته منه فضربته، فهذا من الحكمة، فالضرب في هذه الحالة من الحكمة، لا يصدك عنه أحد، ويقول لك: إنه ليس من الحكمة في التربية والدعوة، بل كل من عليه لك ولاية، تستطيع أن تضربه فاضربه، وهذا من الحكمة!! أضرب لكم مثالاًً من واقعنا: رجل الحسبة ورجل الهيئة إذا أمسك إنساناً وأخذ عليه التعهد، وأوقفه يومين أو ثلاثة، هل يقال: الهيئة ليس عندها حكمة في الدعوة إلى الله، لأن الدعوة إنما تكون باللين.
أتريد منه أن يمسح على كتف قاطع الصلاة، ويقول له: الصلاة واجبة، ثم يتركه على هواه؟! لا! بل هذا رجل موقعه من المجتمع أن له سلطة عقابية، والأمر الآخر: أنه يدعو إلى أمر واضح لا يحتاج إلى أن يقال: لماذا؟ من الذي يجادل في أهمية الصلاة؟ من في مجتمعنا يجهل أنها واجبة؟ ومن في مجتمعنا من يجهل أنه يجب أن يفلق متجره وقت الصلاة؟ هذه قضايا بدهية.
يقول البعض: نُربِّت على كتفه ونكلمه ونعظه، ونأتي له بالآيات والأحاديث، لا بل اضربه عندما يقتضي الأمر ذلك.
المهم أن تستخدم الأسلوب الصحيح.
فالحكمة هنا أن تعاقبة عقاباً يجعله يرتدع، ويحس بالخطأ ويعود إلى الحق، فقد تكون الحكمة -أيضاً- في العقاب، وهي كذلك في كثير من الحالات.