[مكانة المرأة عبر التاريخ]
لسنا بحاجة إلى أن نستعرض قضية المرأة عبر التاريخ، ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا كان من حق الرجل أن يبيع زوجته، وقد حصل ذلك، ولم تكن المرأة تملك شيئاً حتى القرن العشرين، وإلى هذه اللحظة لا تزال دول أوروبية معروفة إلى اليوم بأنها لا تعطي المرأة حق الانتخابات، فهي ليست محسوبة من ضمن الشعب الذي يحق له أن ينتخب، وإلى هذه اللحظة لا تملك المرأة أن تستقل باسمها، وإنما بمجرد أن تتزوج أي زوج فإنها تصبح تابعة له بالاسم، وفي كثير من الدول لا يحق للمرأة أن تتملك شيئاً أبداً، فضلاً عن أنهم كانوا على حال أشد من ذلك فيما هو ثابت في نظرياتهم الفلسفية منذ عهد اليونان، فقد كان فلاسفة اليونان يكتبون -وكتاباتهم موجودة إلى اليوم- ويتساءلون هل المرأة إنسان أم لا؟! وهل للمرأة روح أم ليس لها روح؟! أما رهبان الكنيسة فحدث ولا حرج، فقد كانوا يرون أنها شيطان رجيم، وأنها منبع الخطيئة، ومصدر الشر، وأن من خطرت في قلبه صورة امرأة أو تعلق بها أو اشتهاها، فإنه قد يطرد من ملكوت الله؛ لأنه بذلك يفكر في الدنس والخطيئة، وذلك بسبب ما قررته التوراة المحرفة -كما في سفر التكوين عن قصة آدم وحواء عليهما السلام- من أن المرأة هي التي أغرت الرجل بأن يأكل من الشجرة.
ومن المعلوم أن مسألة الخطيئة -بالنسبة لنا نحن المسلمين- مسألة عادية مثلها مثل أي ذنب، حيث أن آدم عبد من العبيد أخطأ وأذنب ثم تاب، كما قال الله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:١٢١ - ١٢٢] فآدم عليه السلام اقترف معصية ثم أعقبتها توبة، وعَقِبَ التوبة حَصَلَ الاجتباءُ من الله تبارك وتعالى وانتهى الأمر.
ولو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أتاه العبد بقراب الأرض خطايا، ثم استغفره، لغفر له، لكنها في ذهن النصارى تختلف تماماً، لأنهم يقولون: إن المسيح عليه السلام هو ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وأن الله ضحى بابنه ليصلب من أجل أن يخلص الإنسانية من خطيئة الأكل من الشجرة، فالخطيئة عندهم من صلب العقيدة، والمرأة هي التي أوقعت الإنسانية في الخطيئة، وتركتها في هذا الدنس إلى الأبد! هذا أحد الأسباب التي تجعلهم ينتقصون المرأة، وليست امرأة واحدة بل نوع الأنثى بكامله، فأينما وجدت المرأة بأي اسم وبأي شكل فإنها ممقوتة، وهي مصدر الشر ومصدر اللعنة على البشرية، لأنها هي التي أدت إلى هذا الجرم العظيم.
وبالرغم من أن هذا المعتقد زال نظرياً إلى حدٍ ما، نظراً لتحول أوروبا من النصرانية إلى العلمانية اللادينية، ولكن بقاياه النفسية ونظرته الاجتماعية لا تزال باقية، بل -كما أشرت من قبل- أن له بقايا في النواحي التنظيمية والقانونية أيضاً؛ لأن الإنسانية أو المجتمعات بأكملها تشبه الأفراد، ومن الصعب على الفرد مهما تقدم في العمر، ومهما ازداد من الثقافة أن ينسى ما كان في أيام طفولته من أحداث ووقائع ارتبطت بأمور معينة، ولذلك يصعب إلى اليوم أن نقتلع من أذهان الغربيين ما استقر فيها عن وضاعة المرأة.
ولهذا قامت في الغرب الحركة النسائية وتزعمتها عدة فئات منها هدامون يعملون في الظلام، وهدفهم تحطيم هذه الإنسانية بتحطيم الدين النصراني، وهؤلاء هم أتباع التلمود من اليهود، والذين يريدون أن يدمروا أديان البشرية جمعاء، ولا سيما أعدى أعدائهم وهم النصارى؛ المسيح وأتباعه، كما ينص عليه التلمود.
والآخرون أرباب شهوات، يريدون أن يتمتعوا ويستلذوا بخروج المرأة وبتبرجها وتهتكها، وللشهوة عندهم معنى غير معناها عندنا نحن المسلمين، وكل النفوس البشرية تشتهي المرأة، وكل رجل يشتهي الأنثى، فطرة كتب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك وخلقه وقدره في كل فطرة.
إن الميل من الذكر إلى الأنثى أمر طبيعي في بني الإنسان، لكن هذا الميل عند الغربيين يأخذ شكلاً آخر، وهو الشكل المحرم والممنوع والمحظور والمدنس حتى وإن حصل عليه؛ ولذلك فإن الأمم الأخرى -جميعاً- وليس المسلمون فقط، إذا احتاج الواحد منهم إلى الزواج تزوج، فإذا تزوج شعر أنه قضى وطره وانتهى الأمر، إلا الغربيين من النصارى أو من اتبعهم من رهبان البوذيين؛ لأنهم ينظرون إليها نظرة الدنس والاحتقار والخطيئة، فحتى وإن تزوج، فإنه كان يُنْظَر إليه -في العصور الوسطى على الأقل- أنه اقترف الدون، وفعل غير الصواب الذي هو أقل درجة، وإن لم ينظر إليه على أنه أخطأ خطأً محضاً، لكنه لم يأت بالأولى والأفضل، وهو أن يكون كالمسيح عليه السلام الذي ذكر أن الرهبان هم خصيان الملكوت، الذين يدخلون الجنة؛ لأنهم خصوا أنفسهم عن هذا العالم، كما تنسب إليه الأناجيل المحرفة ورسائل بولس.
إذاًَ: عند الغربيين وإن تزوج وتمتع بالمرأة بأي شكل من أشكال التمتع حلالاً أو حراماً، وإن تهتك وابتذل وأَسَفْ حتى أصبح كالبهيمة فإن هذا السعار لا يخبو؛ لأن لهذا السعار عمقاً نفسياً آخر، وهو أنه يريد أن يعوض ما استشعره في قرون طويلة تجاه هذه الشهوة وهذه اللذة، فهو يعض ويعض، ومع ذلك يستشعر في نفسه أنه لم يستكمل لذته بعد، لأنه يعوض ما افتقده في القرون الماضية.
ومن المعلوم أن الغرب لم ينظم حياته -أصلاً- وفق القوانين الحديثة إلا بعد أن وضع أول قانون في أوروبا في القرن التاسع عشر عام (١٨٠٤م)، وهو قانون نابليون، ثم بعد ذلك أخذت بقية الدول تشرع القوانين وتضع الأنظمة.
وفي ذلك الوقت وضعت وشرعت القوانين التي تنظر إلى المرأة نظرة إجحاف وكأنها من سقط المتاع، إلا أن أولئك الهدامين أخذوا ينشرون هذه الأفكار بغرض إثارة المجتمع بعضه على بعض، لغرض التجارة المحرمة؛ لأن كثيراً منهم كانوا يتاجرون في هذه المتع المحرمة، ولا سيما اليهود، وهذا أمر معروف عنهم إلى اليوم، فهم ملوك البغاء في الأرض -كما يقال- لأنهم يتاجرون بالعرض، وهم -أيضاً- ملوك التجارة والمال، فيهمهم أن يتاجروا بجسد المرأة، وأن يعرضوا كل سلعة من السلع على جسد المرأة، فيمتهنونها بهذا الامتهان لكي يروجوا لبضائعهم، فإن كانت المرأة يهودية، فإنهم يحتسبون ذلك لها، كما احتسبوه لـ إستير تلك التي جعلوا لها سفراً في التوراة، وذلك عندما أسر اليهود إلى بابل، في بلاد الفرس، فأقامت تلك الداعرة الفاجرة العلاقة مع ملك الفرس، واستطاعت أن تحرر شعبها بتلك العلاقة نتيجة إغرائها لملك الفرس بحمالها، وسطَّروا ذلك في التوراة، وجعلوا لها سفراً فيها، ويقولون: إن كانت المرأة يهودية وخدمت مصالح اليهود ولو بعرضها فهذا يحتسب لها، وإن كانت نصرانية أو أممية من الأمميين، فهؤلاء كالحيوان بل أحط من ذلك، فلا نظر ولا اعتبار لأعراضهم ولا لما هو مقدس عندهم.
ولكن من المؤلم أن تنقل هذه الصورة بحذافيرها إلى المجتمعات الإسلامية، وينقلها دعاة الضلالة وهم {دعاة على أبواب جهنم فمن أجابهم إليها قذفوه فيها} كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قوم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا فهم ينقلون تلك الآفات والأدواء والعلل إلى هذه البلاد الإسلامية، ونحن لا ننكر أن المرأة في بعض البلاد الإسلامية، وفي بعض البيوت قد تظلم، ويحاف ويجار عليها، ولكن كل ما يقع من ذلك، فهو انحراف عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعن كتاب الله الذي رفع الله به الإنسانية جمعاء، وجعله رحمة للعالمين، وليس ذلك -فقط- للمسلمين؛ بل رحم الله به الأقباط، ورحم الله به نصارى الشام، ورحم الله به نصارى بيزنطة، ورحم الله به أمماً في الهند والصين كانت مسحوقة مركولة، يستعبدها الكبراء والطواغيت من دون الله، ورحم الله من لم يسلم منهم بأن يدفعوا الجزية ويتحرروا من الطواغيت، ويعيشوا عيشة الإنسان في ظل الدولة الإسلامية، فضلاً عمن أسلم منهم.
يريدون أن ينقلوها إلى هذا المجتمع الذي يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] فجعل الله تبارك وتعالى الحياة الطيبة -وهي الحياة في الدنيا- لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى، فالرجل والمرأة كل منهما مكلف بعبادة الله، ومأمور بطاعة الله، ومسئول بين يدي الله، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها}.
فهذه المرأة التي كانت في الجاهلية توأد، وكانت تباع في بلاد الروم والإغريق ولا قيمة لها، فيأتي هذا الدين -دين الرحمة- فيجعلها في تلك المنزلة، ويجعل من المرأة العربية التي لم تكن شيئاً مذكوراً، والتي كانت تورث كما يورث المتاع، فجعل منهن النساء العالمات، كأمهات المؤمنين -رضي الله تعالى عنهن- وكأولئك الصحابيات، والنساء الطاهرات، الذي لم يشهد تأريخ الإنسانية -قط- أمثالهن في الطهارة والعفة، أولئك اللاتي نزلت آية الحجاب فأصبحن كالغربان، أولئك اللاتي كنَّ المثل الأعلى لنساء البشر جميعاً في حسن الخلق وفي بر الزوج وطاعته، وفي بر الوالدين، وفي تربية الأبناء على الخلق القويم، وفي كل فضيلة من الفضائل، وبقي هذا الإرث لنا، وبقيت هذه الأحكام ملزمة لنا نحن المسلمين.
وهذا كتاب ربنا بين أيدينا، وهو أوضح وأجلى من أن يقال أو يتحدث فيه، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] فمما هو أقوم أن تأخذ أحكام الله في الطلاق، وفي موضوع المرأة والحجاب، وفي كل شيء.