يقول أبو سليمان من درر كلامه رحمه الله -وهذه ليس لها علاقة بالخوف لكنني أحببت أن أذكرها لشدة حاجتنا إليها وإلى مثل هذه العبر- يقول: 'لو أن الدنيا كلها جمعت في لقمة -أي: أموالها وشهواتها ومتاعها وكل ما فيها جمع في لقمة- ثم جاءني أخ لي من إخواني في الله لأحببت أن أضعها في فمه'.
فالدنيا كلها لا تساوي شيئاً, فالأخوة في الله خير عندي من كل الدنيا, فلو جمعت الدنيا بكل شهواتها وملذاتها ومتاعها وما يطلبه الناس وما يتسابقون إليه منها في لقمة ثم جاءني أخ في الله, لأحببت أن أضعها في فمه! فهؤلاء هم الذين كانت الأخوة والمحبة في الله عندهم بهذه المنزلة العالية, ولذلك لو لم يدخلهم الجنة إلا هذا لكفى، فهذا من أعظم ما يرجو به الإنسان الجنة.
قال أنس -رضي الله تعالى عنه- عندما سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{يحشر المرء مع من أحب يوم القيامة، قال: فأنا والله أحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم} فهذه نعمة عظيمة، فلينظر الإنسان من يحب, ولينظر من يخالل, ولنعرف قيمة الأخوة في الله, والأخوة في الله ليست مجرد مشاعر أو عواطف تأتينا إذا التقينا وذهبنا وأتينا, بل الأخوة الصادقة أن تكون محباً ومؤثراً له, ناصحاً صادقاً في معاملته ووفياً, إذا احتاج إليك فإنك تنجده: ما استطعت، وتبذل له ما استطعت.
سأل بعض التابعين بعض تلاميذه:{{كيف محبتكم في الله؟ قالوا: الحمد لله, نتحاب ونتآخى في الله, قال: أيمد أحدكم يده إلى كُمَّ أخيه، فيأخذ منه ما يشاء ويدع ما يشاء؟ قالوا: لا, قال: إذاً أين المحبة؟}}.
هكذا تبلغ بهم المحبة، فيشعر الإنسان أن ما يملك فهو لأخيه, وما يملك أخوه فهو له من مال أو من مساعدة أو من خدمة يمكن أن يقدمها الإنسان لإخوانه في الله، فهذه هي حقيقة الأخوة.