إن إنكار الغيب ما اشتهر أمره، وظهر وأصبح ظاهرة عالمية إلا في العصر الحديث؛ وذلك نتيجة لأن العالم الإنساني أصبح الآن متقارباً ومتلاحماً، حتى أن أي فكرة في الشرق تصل إلى الغرب -أو العكس- في يوم واحد، أو في أسابيع، وإن أبرز سمة في هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم هي: السمة المادية، فهو عالم لا يؤمن إلا بالمحسوس، ولا يؤمن إلا بالماديات، فينكر الغيب، ولا يؤمن إلا بما يدر عليه نفعاً في هذه الدار الفانية؛ ولهذا كان لا بد لنا أن نعرج على أسباب ضلال هؤلاء القوم، ثم نرى بعد ذلك أثر الإيمان بالغيب في حياة المؤمنين، وأثر فقدان الإيمان بالغيب عند الكافرين.
فلماذا كفرت أوروبا، وكفر مفكروها بالغيب؟ وهل هم في الحقيقة كافرون بالغيب؟ أم أنهم كافرون وجاحدون بالرسل وبما جاءت به الكتب؟ ولما قلنا أنه لا يكاد يوجد إنسان يؤمن على الحقيقة بالغيب، بل يؤمن بأنه لا شيء وراء هذا المحسوس، فكيف ذلك؟ وهل كل ما يؤمن به أكثر الماديين -غلواً وعتواً- هو كل ما يشاهدوه ويروه أو يلمسوه ويدركوه بعقولهم؟ الجواب على هذا السؤال ينقلنا إلى أن نعود إلى أسباب انتشار المادية لنعرف الجواب.