[مستقبل العالم الإسلامي في ظل التحزبات الكفرية]
كيف يكون مستقبل العالم الإسلامي في ظل هذه العملية إن استمرت الأمور كما هي عليه الآن، مع غفلة الأمة الإسلامية، مع ما تعانيه من التبعية السياسية والاقتصادية والفكرية، ومع ما تعانيه من الفرقة والانقسام، ليس على مستوى الشعوب، ولا على مستوى الحكومات؛ بل على مستوى الدعاة.
لا توجد دعوة إسلامية على الأقل موحدة لتواجه هذا الخطر، كيف نتصور وضع العالم الإسلامي عندما يكون القرار الدولي واحداً، وقد كنا نعاني الأمرَّين وهو مختلف، فنوعاً ما يستطيع الناس في ظل الاختلاف الدولي أن يجدوا ثغرة أو منفذاً، أو على الأقل نشراً للأخبار إن انتهكت روسيا فتنشر أمريكا أحياناً، أو العكس، فأمور الخلخلة السياسية قد تعطي شيئاً من الانفتاح الذي قد يعطي بعض الاطمئنان.
لكن كيف لو توحد هذا العالم وهو مقدم على ذلك؟ هنا سيكون المستقبل خطيراً جداً، وأنا أترك النتيجة والتحليل الأخير لكل إنسان، لأني قلت: المهم لدي هو أن تتضح الصورة، وأن يتضح هذا الخطر الداهم، ولكن هذا لا يمنعني من أن أطرح ما وصلت إليه من وجهة نظر؛ لعلها تكون لبنة على ما ستصلون إليه -إن شاء الله- في تحليلكم الأوسع أفقاً ونظراً مني.
مستقبل الأمة الإسلامية قريب، الأحزاب الاشتراكية، والأنظمة الشيوعية، والأنظمة الاستبدادية الشمولية -كما تسمى- سوف تنتهي -فعلاً- وتختفي، وسوف يشهد العالم الإسلامي - على تحليلي الشخصي- انفتاحاً أيضاً قريباً من الانفتاح الذي في أوروبا الشرقية، ولكن لحساب من؟ هنا المشكلة.
قد يسمح لبعض الجماعات والدعوات والحركات الإسلامية، التي لها وجود شعبي بأن تشارك جزئياً في الحكومات الديمقراطية، التي ستقوم على أنقاض الحكومات الشمولية الموجودة الآن في العالم الإسلامي.
سوف تنفتح العلاقات بشكل أكبر، لأن الحرج ارتفع بالنسبة لـ روسيا، وهو مرتفع من قديم طبعاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فسوف يكون الغزو الثقافي والاقتصادي والتبعية بشكل أكبر، وهنا سيجد العالم الإسلامي نفسه منقسماً إلى قسمين رئيسين تقريباً: قسم سيفرح بالوزارتين أو الثلاث الوزارات، أو بعض النقابات، وينسى القضية الأساسية ويندمج في هذا الواقع، ومع الزمان سوف يرى أنه في النهاية سيخسر قضيته كلها.
القسم الآخر وهو الطبيعي ولا بد أن يوجد الطرف الذي يسميه الغربيون "الأصوليون، المتشددون، المتزمتون" إلى آخره، لن يرضى إلا بالإسلام الواضح الجلي الكامل النقي، وهذا القسم أمامه أحد احتمالين: إما أن يقضي عليه القسم الأول، لأنه لن يتدخل الغرب وقد أخذ الدرس الرهيب في أفغانستان وفي غيره، ولن يتدخل بشكل مباشر؛ بل حتى عقائدياً لا أتوقع أن يتدخل الغرب؛ لأنه لو جاء بـ الشيوعية أو الاشتراكية الوجودية، أو أي فكرة لتقاوم، فلا يمكن أن أي إنسان عرف منهج الكتاب والسنة أو كما يسمونه الأصولية أن يصدق أي فكرة غربية، فالحصانة تلقائية لا يمكن أن يفكر فيها الغرب، لكن ربما تنجح.
نقول: إما أن يقضي عليه الغرب بواسطة الطرف المعتدل -كما يسمى- الذي يؤمن بالموديل إسلام، إسلام الموضة والإسلام المتطور.
التوقع الثاني: أنه تسيطر هذه الدعوات السنية -التي تعتمد منهج الكتاب والسنة- ويكون لها قوة، وتملك زمام الأمور، فماذا؟ فالنتيجة إذا لم يستطع الغرب أن يقضي عليها عن طريق الحركات الداخلية فإنه لا بد أن يتدخل الغرب عسكرياً، كما أنذر وتوعد ميتران وغيره، لأن الغرب سيجد أنه لا مفر له من المواجهة.
هل في إمكان الغرب أن يواجه بالغرور، والكبرياء، والتكنولوجيا المتفوقة، وحرب النجوم إلخ؟ كل ذلك يهيئ للغرب الاشتباك المباشر، والإنزال المباشر في الأرض الإسلامية.
وستكون النتيجة إذا حصل الإنزال المباشر أن الأمة الإسلامية تهب هبة رجل واحد، وتتفانى وسيخسر الغرب في هذه المرحلة -لو حصلت طبعاً- الطرف الذي يسميه المعتدل، أو أكثر.
وعلى أية حال سوف تستيقظ الشعوب، وسوف تكون هناك مواجهة عامة كما حدث في أفغانستان وهذا مثال بسيط وواضح، وقضية واضحة لكم والحمد لله.
لو أن أيام الملكية بقيت لسيطرت أمريكا على الأوضاع في أفغانستان عن طرق الملك والحكومة الملكية الفاسدة الموجودة البعيدة عن شرع الله والاهتداء بهداه، وتحقق كل شيء لـ أمريكا من خلاله، لو أن ذلك حصل لم يكن لدى الشعب الأفغاني المسلم هذا الوعي الآن بالأحداث والخطر، ولن يكون هذا الجهاد طبعاً؛ لأن الذي حصل كان نتيجة العدوان المباشر بالإنزال المباشر، فهب الناس هبة رجل واحد، والحمد لله.
إذاً سيستثار العالم الإسلامي، والغرب المتفوق تكنولوجياً ستدفعه هذه القوة والحقد الصليبي إلى القضاء المباشر، والإنزال المباشر لجيوش غربية.
وليس سراً أن أكثر من مائتين وخمسين ألف جندي أمريكي يتدربون في صحراء وسط الولايات المتحدة الأمريكية، للتكيف مع المناخ الصحراوي، وهؤلاء معدون لأي إنزال سريع في أي وقت من الأوقات، وهذا شيء يعرفه العالم كله.
والأساطيل تملأ جميع البحار والخلجان والمنافذ، والإنزال هذا بأبسط ما يمكن ستكون مواجهة حاسمة عليها.
الوضع مخيف جداً ولا بد أن نأخذه مأخذ الجد.
ولكن لا بد من قضية أذكرها وأختم بها: نحن لا نتمنى لقاء العدو كما أرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن أنفع وأجدى للإسلام المواجهة المباشرة مع الغرب، من وجود أنظمة نفاق، وإسلام أمريكاني، أو إسلام مروض كما يقال.
هذا أنفع للمسلمين وأسرع لليقظة، وآثار الحروب الصليبية أكبر دليل على ذلك، فإن الهجمة الصليبية أيقظت الأمة الإسلامية.
وسأذكر أثراً واحداً: عندما قدمت الحملة الصليبية الأولى، كان في دمشق وهي أكبر مدينة إسلامية في بلاد الشام التي استهدفها الصليبيون مدرسة واحدة شرعية، كأنها كلية باعتبار ما نحن فيه الآن، لكن عندما قام صلاح الدين كان ما يقارب مائة مدرسة في دمشق؛ لأن العلم بين الشباب أهم شيء، فهو يؤدي إلى أن الأمة تعي وتعرف إلى أي شيء ترجع، إلى الدقة العلمية والتحليل العلمي والمواجهة العلمية.
كان على ميمنة صلاح الدين ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني.
وكان من العلماء الأفذاذ الذين واجهوا التتار، شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية والذي كان في وسط المعمعة، ويرفع الحماس.
والمقصود أن الأمة استيقظت بعد القرن الخامس، قرن الهبوط، وقرن الموت، وقرن الضعف القرن الذي سيطرت فيه الرافضة على العالم الإسلامي، وسيطرت فيه الباطنية، ثم يعقبه بعد ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية فكانت تلك الحياة العجيبة.
الآن الأمة الإسلامية على أي ثقافة تعيش؟ على أي علم تعيش؟ بعد علم السلف طبعاً بعد كتب الأصول والحديث القديمة، لكن انظروا لمن تقرأ؟ إنها تقرأ لـ ابن تيمية، ولـ ابن قدامة، ولـ ابن حجر، وللنووي، وللذهبي، وللمزني، ولـ ابن كثير، ولـ ابن رجب سبحان الله! متى ظهر هؤلاء الأفذاذ! لقد ظهروا بعد مرحلة الحروب الصليبية والتتار، أي: بعد أن استفزت واستنفرت الأمة الإسلامية وأظهرت قيادات.
ظهر صلاح الدين وهو رجل جدد سيرة الخلفاء الراشدين، وظهر نور الدين محمود، وهو رجل أحيا سيرة الخلفاء الراشدين، وللأسف غفلت عنه الأمة وعن عماد الدين وغيرهم.
فظهرت قيادات سياسية وعسكرية وعلمية، وعادت الأمة من جديد، وقاومت من جديد.