يقول الشيخ: 'وذِكْرُ أدلة جميع ما قدمنا على وجه البسط معلومة معروفة لا يحتمل ذكرها هذا الموضع!! -الأدلة على أن هذا كفر أكبر مخرج من الملة معلومة معروفة، وقد سبق ذكر بعضها والحمد لله- يقول:" فيا معشر العقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى! كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم، وأفكار أشباهكم، أو من هم دونكم، ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حكمهم إلا ما هو مستمد من حكم الله ورسوله نصاً أو استنباطاً " -وهذا هو الواقع!! كيف يرضى هؤلاء أن يؤلهوا بشراً مثلهم أو أقل منهم ولا خير في أحكامهم- يقول: تدعونهم يحكمون في أنفسكم، ودمائكم، وأبشاركم، وأعراضكم، وفي أهاليكم، من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم، وسائر حقوقكم، ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله الذي لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد'.
وهنا يخاطب الشيخ رحمه الله العلماء والعقلاء، والأمة عامة التي فرضت عليها هذه الأحكام مستنكراً عليهم رضاهم بها، ولو أن الناس أنكروا هذه المحاكم وهذه الأحكام، لكان الحال غير هذا الحال، لكنهم استمرأوا ذلك، وسكتوا وأخلدوا إليه، وأصبحوا يرونه كأنه أمراً عادياً.
ولذلك أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حريصون أشد الحرص على الوقوف في وجه كل داعية يدعو الناس في أي بلد من البلاد إلى الاحتكام الكامل والكلي إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن ذلك يخالف تمام المخالفة ما يريدونه من نشر الفاحشة والرذيلة وإبقاء التبعية، وفرض العبودية على هذه الأمة، لتظل تعيش في ركاب الأمم النصرانية الغربية.
فالشيخ رحمه الله يستثير النفوس، ويستنفر الهمم؛ لتقف في وجه هذا التيار الخبيث، الذي يريد أن يجعل هذه الأمة تابعاً ذليلاً لتلك الأمم في هذا الكفر والشرك الأكبر والعياذ بالله.
يقول: 'وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخٌ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب ألا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد، الرؤوف الرحيم، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات'.
فبين الشيخ أن معنى أنكم مؤمنون، وأنكم تعبدون الله، وأنكم مسلمون أن ترضخوا لأحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تنقادوا لها، وإلا كيف تقولون: لا نعبد إلا إياه ولا نسجد إلا له، ثم تتحاكمون إلى غير شرعه، هذا لا يمكن بل هذا هو الشرك، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر ذلك في القرآن، فإن مما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من صفات أهل الكتاب الذين أوجب الله تبارك وتعالى على المؤمنين جهادهم، وضرب الجزية عليهم، أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فإذا كان من يحكِّم التوراة ويتحاكم إليها كافر؛ لأنه يحكم بشريعة منسوخة مع ما فيها من الأحكام التي لم تحرف، كتحريمهم الربا على اليهود فيما بينهم، وتحريم بيع الغرر، والغش، وعند النصارى كل الفواحش ما ظهر منها وما بطن محرمة، فكيف بمن يتبع أقواماً لا صلة لهم بالدين وإنما هم علمانيون لا دينيون، ملحدون كالمشرعين الغربيين اليوم، يحكموا والشرائع والقوانين الوضعية التي وضعتها حثالة الأفكار؟!! لا شك أن هذا الثاني أشد كفراً وأعظم جرماً.