للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توحيد الألوهية]

ثم إن من الشرك في الألوهية وهو- مما يجب أن يحذر منه- ما يعتقده ويفعله بعض الناس من دعاء غير الله عز وجل، أو الذبح له، أو رجائه أو خوفه كرجاء الله وخوفه، أو محبته كمحبة الله تعالى، وغير ذلك مما يوجد في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وربما أصاب بعض أهل هذه البلاد بتأثير الفرق الضالة كالصوفية وأشباهها.

فيحسب الإنسان أنه إذا دعا غير الله، أو استغاث به، أو ذبح له، أو تقرب إلى قبره أو ما أشبه ذلك، أنه لم يُخِلَّ بالألوهية، ويظن أن هذا إنما هو نوع من التوسل أو الوسيلة! وهذا من تلبيس إبليس عليهم؛ لأن المشركين الذين عبدوا هذه الأصنام -سواءٌ ما كان منها تماثيل أم صوراً للرجال الصالحين أمثال: وُدّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، والتي عبدت في زمن نوح أو غيرها- ما كانوا يعبدونها إلا لهذا الغرض، كما قال تبارك وتعالى عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، فيظنون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وكما في الآية الأخرى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨]، فهذه الوسيلة التي يسميها المشركون المعاصرون وسيلة، هي بنفسها وبذاتها كما كان الجاهليون الأولون يعتقدون، وقد كان الجاهليون في تلبيتهم يقولون: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك!!) كانوا يعتقدون أن هذه المعبودات الباطلة هي وما تملكه داخلة في ملك الله.

ومع ذلك فإن هذا من الشرك الذي أبطله الله عز وجل بهذا الدين العظيم -دين التوحيد- وببعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح المؤمن يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، فأبطل تلك التلبية الباطلة وألغاها ومحا ذلك الشرك الذي كانوا يعتقدونه؛ مع أن ظاهره قد يقبله كثير من الناس اليوم، وربما فعلوا ما هو في حقيقته تطبيق وتنفيذ لهذا النداء ولهذه التلبية، وإن لم يلبوا أو يدعوا بها، سواء فعلوا ذلك في الحج أو في غيره، كاعتقادهم في أوليائه أو معبوداته أو صالحيهم -كما يزعمون- وقد يكونون صالحين حقاً، وقد يكونون أولياء، وقد يكونون فجاراً، لكن الشيطان زين عبادتهم لهم، فهنا جانب عظيم من الجوانب.

والله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، وقد حذَّر الله تبارك وتعالى عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوقوع في الشرك كله، ومنه هذا النوع الذي ذكرنا، كما قال جل شأنه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

وعندما أمر الله تبارك وتعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام -وهو إمام الموحدين الذي أُمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتبع ملته في التوحيد، ونبذ الشرك، وتجريد الولاء لله- أمر خليله بقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦]، فالواجب علينا أن نحذر وأن نتنبه من الشرك، ولا سيما في هذا الجانب -أي في جانب الألوهية- لكثرة وقوعه في هذا الزمان وفي سائر الأزمان، نسأل الله العافية والسلامة!