تفكروا في هاتين الكلمتين: كلمتان لو بحثنا في اللغة العربية، فلن نجد أدق وأبلغ منهما في معناهما الذي تؤديان إليه (على بصيرة) و (بالحكمة) ماذا يعني ذلك؟ البصيرة: تعني: العلم، وهل يمكن أن تصف جاهلاً بالبصيرة؟! أو تصف أي يائس قنوط بأنه على بصيرة؟! أو تصف المتهور بأنه على بصيرة؟! والبصيرة تعني أيضاً الثبات، والبصيرة تعني معنى الحكمة، والحكمة تدل على البصيرة، والحكمة لم توصف، فقد وصف الله تبارك وتعالى الموعظة بالحسنة، ووصف المجادلة بالتي هي أحسن، أمرٌ فوق أن يكون حسناً، بل بالتي هي أحسن، ولكن الحكمة لم توصف، والبصيرة كذلك، لأن الكلمة في ذاتها تدل على الكمال، ولو حدث خللٌ أو نقص لما كانت بصيرة، ولو حدث عيب في الأسلوب لما كانت حكمة.
وكلمة الحكمة تطلق على: ١ - القرآن.
٢ - تطلق على السنة.
٣ - وتطلق على الدين.
٤ - وتطلق على الحق.
٥ - وتطلق على كل رأيٍ أو فعلٍ صواب.
كما أن كل تصرفٍ حسن حق يوصف صاحبه بأنه عمله على بصيرة، على حجة من الله وعلى علم وعلى دراية بثمرته أو بنهايته.
إذاً لابد أن تكون على بصيرة.
ثم قال:{أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف:١٠٨]، سواءٌ كان: على بصيرة أنا ومن اتبعنى، أو بالمعنى المفهوم للآية بحسب الوقف، وهي أن تكون الدعوة على بصيرة، إما الدعوة على بصيرة، أو أنا ومن اتبعني على بصيرة، وكلاهما يُؤدي إلى مفهوم واحد، وهو أن اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعون إلى ما دعا إليه من البصيرة وإلى ما دعا إليه من الحكمة.
وهنا نقف -قليلاً- عند مسألة وهي: هل نحتاج إلى أن نجتهد ونفكر في مناهج وطرائق للدعوة إلى الله، حتى في دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل نحتاج إلى أن نفرد أحاديث معينة، ونتخيل أنها هي أحاديث الدعوة؟ في الحقيقة لو تأملنا لوجدنا أن حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلها دعوة، منذ أن نزلت عليه:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}[المدثر:١ - ٢] إلى أن لقي الله، كل حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة إلى الله.
إن حارب المشركين فهي دعوة، وإن ربَّى المؤمنين فهي دعوة، وإن وعظ في المسجد فهي دعوة، وإن أخذهم للجهاد فهي دعوة، وإن علمهم الأحكام فهي دعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.