للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بغي الخوارج في الاجتهاد]

وأوضح مثال على ذلك هم الخوارج لما بغوا واعتقدوا كفر علي -رضي الله تعالى عنه-ومن معه، ماذا فعل بهم علي رضي الله تعالى عنه؟ وهم خوارج حقيقيون فعلاً، وهم الذين بلغ من شأنهم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفهم بأعيانهم، وعلي رضي الله تعالى عنه كان يقول لأصحابه ابحثوا عن ذي الثدية، فلم يجدوه فكان يقسم ويقول: [[والله ما كذبت ولا كُذبت]] فبحثوا حتى وجدوه في ساقية وفوقه جرحى وقتلى، فأخرجوه وإذا في عضده مثل الثدية، ومع ذلك قالوا لـ علي -رضي الله عنه- لما صعد المنبر لا حكم إلا لله، أي أن علياً رضي الله عنه حّكَّمَ الرجال، ومادام حكم الرجال فقد خرج عن الإسلام وخرج عن السنة، وليس له طاعة، وهو كما قالوا: يريدون أميراً غيره وهو عبد الله بن وهب الراسبي، أو أميراً مثل عمر، إلى آخر ما قالوا، ومع ذلك صعد المنبر وقال: " أما إن لكم علينا ثلاثاً -أي: مهما قلتم وافتريتم فإن لكم علينا ثلاثا- وهم خوارج حقيقيون -قال: وهذه الثلاث هي: ألا نبدأكم بقتال حتى يكون الباغي منكم هو الذي يصول ويعتدي، وألا نمنعكم مساجد الله -لأن المساجد بيوت الله، وكل من كان من أهل القبلة يحق له أن يأتي إلى بيوت الله- وألا نمنعكم الفيء " أي عطاءكم من بيت المال، لا نمنعكم إياه ولا نفصلكم ونضايقكم لأنكم خوارج، ولأن هذا هو حق لكل مسلم مادام من أهل القبلة، ومن أهل الإسلام.

هذا حكم علي رضي الله تعالى عنه، وحكم الخلفاء الراشدين الذين قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي} ثم قاتلهم رضي الله تعالى عنهم وقاتلهم الصحابة حتى تحقق فيهم ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعد أن بدأوهم هم بالقتال وخرجوا عن الطاعة، وأمَّروا عليهم أميراً منهم، ورفضوا طاعة أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه.