[تأسيس قاعدة الدعوة إلى الله]
السؤال
أنا أتجول أحياناً فأجد كثيراً من الشباب على معصية الله -والعياذ بالله- فأفكر وأهم أن أذهب إليهم وأدعوهم، ثم أفكر وأقول لو فتح الله على قلوبهم واهتدوا كيف أتابعهم فيما بعد وأنا مشغول جداً فأخاف أن يعودوا إلى ما كانوا عليه، فكأننا ننفخ في رماد إلا أن يكون هذا شبيهاً ببعض رجال الدعوة الذين يذهبون إلى الخارج فيسلم بعض الكفار على أيديهم ثم يتركونهم ويرجعون إلى بلادهم؟
الجواب
قضية كيف نحافظ على طاقة الأمة، لا شك أن هذه الأمور مما يجب أن ننبه إليها، ونرجو أن يستوعبها الإخوة وخاصة هذا الجمع فكلنا طلاب علم، فأقول: يجب علينا أن ندرك أن المجاهدين والعاملين في الأمة قليل وأن أثمن الأوقات هي أوقاتهم، ومن هنا فعلينا أن لا نبدد هذه الطاقة فهو حرام، وإن كان أحدهم يقول: أنا لم أبذل شيئاً، فأقول لك: لا يا أخي بدلاً من الذهاب إلى تجمعات الشباب هؤلاء في الكورنيش لتنصحهم، أو في البر لتتكلم معهم، فهذا في الحقيقة ليس عملك الدائم في حياتك، بل اجتهد وركز على مسجدك وعلى الشباب الذين يدرسون معك، ومع من حولك، فأنا أرى أن يركز أحدنا ولو على مدى معين، فلا تنتظر أن يأتيك المشايخ، ولو أنك كل أسبوع تدعو إلى الله في بلد فإنك لا تؤدي شيئاً، أنا أعترف بهذا ولا نغالط أنفسنا، نعم إنه قد يوجد الخير، لكن لا توجد ثمرة أكيدة، مثل أن تتابع بذرة معينة.
فالتركيز لابد منه، ولكن أيضاً إن ذهبت إلى المكان النائي على الشاطئ، ولقيت أناساً على الطريق في وقت الصلاة فكلمهم وأنصحهم أما أن تقول: أذهب إلى السوق وأنهى عن المنكر فإنك تضيع عمرك كله، فالسوق كله منكرات، ولن تستفيد منه علماً ولا أي شيء آخر، لكن إذا ذهبت إلى السوق ثم رأيت المنكر فأنكره، ففرق بين الصورتين لكن نحن كدعاة لابد أن يكون للسوق مكان، وللشاطئ مكان في حساب الدعاة ككل، لكن فردياً لا، ولهذا نقول: إن الأمة في حاجة إلى تجميع الجهود، واستخلاصها بأفضل أسلوب، كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينمي الطاقات ويربيها، ويضع هذا للقضاء، وهذا للعلم، وهذا للجهاد، أهَّلَهم فلما قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا بهذا أقضى الناس، وهذا أعلم الناس، وهذا أشجع الناس، لما رُبيت الطاقات ورُكزت في أهداف محددة.
بعض الإخوة ذهبوا إلى كوريا، ودخل عدد من الكوريين في الإسلام ولكن لم يتابعهم أحد، قالوا: المفروض أن نتابعهم، وجاءوا إلى هيئة الإغاثة وجاءوا إلى الرابطة وقالوا: تابعوهم، قالوا: نحن ضيعنا دولاً مسلمة، فكيف نتابع عشرين شخصاً أصلهم في كوريا فيجب أن نكون واقعيين وندرس الأمر بفعل الثمرة الحقيقية.
إن البلد أو الأمة الإسلامية لابد لها من قاعدة تتأسس وتكون منطلقاً، ومن هنا كان حرص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الهجرة، ومن هنا كان الذين آمنوا ولم يهاجروا ليس على المسلمين من ولايتهم من شيء، لأنهم لم يهاجروا إلى بلد الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع على الهجرة حتى فتحت مكة حتى تكون قاعدة للإسلام وحتى تكون مرتكزًا للإسلام وهذا المرتكز يمد العالم، لكن إذا كان بلا قاعدة وبلا مرتكز فلا فائدة، وعندما نقول: بلدنا هذا، فهل يمكن أن يكون هناك مرتكزاً للإسلام بديلاً عنه، لا يوجد لسببين: أولاً: السبب التاريخي الموروث وهو: وجود الحرمين فيه وهو منبع الهداية والحمد لله.
ثانياً: أنه الآن أكثر المجتمعات الإسلامية قرباً من المنبع وأكثرها محافظة، إذًا فهذا نجعله قاعدة، ولهذا أرى أن تركز أهم الجهود هنا ولا نترك الخارج، فإذا كنت مبتعثاً في مكان ما فلا يمنع أن أركز عليه، وهذا لا ينافي أن يكون اهتمامي الكلي منصب على القاعدة.
وكما ترون الجهاد الأفغاني، والجهاد الفلبيني -مثلاً- هذه البلاد هي مصدر العلم والتصور الصحيح للجهاد عندهم، ولذلك فهم يأتون إلى هذه البلاد وكذلك هي مصدر المال.
فلو أن هنا قاعدة مؤسسة تأسيساً كاملاً بحيث أن كل تجارنا يتبرعون، وكل شبابنا دعاة ومخلصون ومضحون، فكيف ستكون الأمة؟! كنا سنمدهم بأقوى المدد وينتصرون أعظم انتصار، والآن المضحون قليل، ومع ذلك فعلنا الأعاجيب ونفع الله بهم -والحمد لله- منفعة كبيرة، وهم قليل، ولو كان ما يصرف على اللهو واللعب يصرف على صميم الدعوة، وحفظ كتاب الله، وعلى حفظ أوقات الشباب، فكيف يكون الشباب؟! ونحن الآن على قلة الشباب فعلوا الأعاجيب، كما قلت لكم في أمريكا وغيرها، لو كان كل الشباب على مستوى هؤلاء الشباب لفتحنا العالم مرة ثانية، وما ذلك على الله بعزيز، ولا غرابة في ذلك أبداً، ولحققنا ما يسمى معجزات وهذا في وضع الضعف، فكيف لو كنا في حالة القوة وكانت الأمة كلها قاعدة للدعوة إلى الله.
شباب في أمريكا يدفعون من راتبهم وهم يدرسون، من أجل أن يستأجروا قناة في التلفزيون يدعون إلى الله سبحانه، والأمة في مجموعها تستطيع أن تشتري في أمريكا خمسين قناة أو أكثر، لأن الأمة عندما تدفع فليست كفرد، فأنا الآن -مثلاً- لي قدرة أن أدفع عشرة ريال، لكن البلد يستطيع أن يدفع عشرة ملايين، فقد يهتدي العالم كله -بإذن الله- ولا يبقى إلا من حقت عليه الضلالة، ومن هنا كانت ضرورة التركيز وأن نهتم بهذا البلد أن لا تفتك به المخدرات والأفلام، ولا تفتك به المغريات والملهيات، ونؤسس قاعدة الإسلام الكبرى -إن شاء الله- ومنطلقه العظيم هذا البلد، وهذه قد بشر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن معتصم المسلمين في آخر الزمان يكون في بلاد الشام -إن شاء الله- وقلعة الإسلام ستكون هناك لكن هذا دليل على أن جزيرة العرب مضمونة، عندما نكون في بلاد الشام ونحارب الروم وغيرهم في بلاد الشام ويكون فسطاط المسلمين كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بـ الغوطة من دمشق، وهو مخيم القيادة، ومعنى ذلك أن الجزيرة العربية مضمونة.
ومن هنا حتى لا تبدد الطاقات أرى أنه لو ركزت الدعوة في شبابنا وفي مدارسنا وفي حاراتنا فبهذا نكسب الأمرين معاً، نكسب الدعوة هنا في القاعدة، ونكسب الخارج لأن هذا المرتكز هو الفئة التي هي فئة كل مؤمن كما قال عمر رضي الله عنه: أنا فئة كل مؤمن.
كان المسلمون إذا وجدوا أن أعداءهم أكثر من ضعفيهم وما يستطيعون القتال يفروا ولا يقولون: قد فررنا؛ لأن الله قد قال: {إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَة} [الأنفال:١٦] فهم يعتزون بهذه القاعدة، وبفضل الله أن هذه البلاد عجيبة، فقد أودع الله فيها من الطاقات العقلية والطاقات المادية ما لم يودعه في غيرها، وتتهافت وتسعى إليها قلوب ألف مليون مسلم، وفي بعض البلاد إذا مشيت وأنت بالغترة يكادون أن يقطعونها ويقبلونها والحمد لله.
الأمر الآخر: هذه الصحراء كانت سياجاً لنا في الماضي، فالروم والفرس لم تكن لهم قدرة على دخولها، حتى الإنجليز قالوا: لن ندخل هذه البلاد خمسون ألف جندي تذوب رءوسهم من شدة الشمس، في الصحراء ومن يستطيع أن يقاتل في الصحراء! ولنغض الطرف عن جزيرة العرب، فالآن جاءت التكنولوجيا المتطورة ولم تصبح مشكلة -أيضًا- فقد أعطانا الله في جوف هذه الصحراء قوة ما كنا نحلم بها، وهي قوة البترول والذهب والكنوز والطاقة الشمسية التي يقول العلماء عنها: إن كان البديل عن البترول فهو الطاقة الشمسية، ووجدوا أن أمريكا وأوروبا يغطيها السحاب طوال العام، وأكثر مخزون للطاقة الشمسية في الربع الخالي، فلا مشكلة لدينا لأن الأمر في أيدينا وستظل هي التي -بإذن الله- يمكن أن تكون قاعدة لفتح الدنيا كلها، فلهذا يجب تركيز الجهود، ولهذا نحن نتألم عندما نرى كثيراً من الإخوان يتكلم عن مشكلة الاختلاط ويتضاعف عندنا الألم إذا علمنا أنه يجب علينا بذل عمل أكثر، وهؤلاء هم شباب الأمة الذين يجب أن يكونوا مرتكزاً وقاعدة للدعوة إلى الله، فـ الشيوعية تأتي من كل جهة، والعلمانية، الإباحية، والرافضة، والقاديانية، كل منهم يطمع فينا، وتداعوا علينا كما تداعى الأكلة على قصعتها، ونحن الذين يجب أن نفتح الدنيا بالإيمان، وأنتم ترون الآن كيف تضيع الأوقات وكيف تبدد الطاقات؟! والله المستعان! ولهذا أقول: كل إنسان منا لابد أن يستشعر واجبه، ويضحي في سبيل هذا الواجب، ويستعين بالله على ذلك ونحاول أن نركز الجهود.
والحمد لله رب العالمين.