[أبعاد المؤامرة على المرأة المسلمة]
أيها الإخوة الكرام: لقد تعرضت الأمة الإسلامية للغزو الصليبي كما أشرنا، وجاء أولئك الفرنجة الذين ليس فيهم من صفات الإنسانية والرجولة ما يرفعهم عن الحيوان الهابط، فعجب المسلمون لما رأوا الفرنجة وقد جاءوا بنسائهم كاسيات عاريات، ورأوا فيهم من الدياثة ومن التفريط في العرض ما سجلوه وسطروه، كما كتب ذلك على سبيل المثال أسامة بن منقذ في سيرته الذاتية التي سماها: الاعتبار.
وعلى الرغم من أن الصليبيين قد هزموا المسلمين واحتلوا بلادهم، إلا أن المسلمين كانوا يسخرون سخريةً مرّة من دياثة الصليبيين، ومن تعاملهم بهذا الشكل، ومن بروز نسائهم وتكشفهن بهذا الشكل الذي رأوه وكتبوه.
ولكن الذي حدث أن حملة صليبية أخرى -وهي التي تسمى حملة نابليون بونابرت - حدثت بعد ذلك بقرون -في العصر الحديث- وكثير من الكتاب والمؤلفين المغزوين فكرياً يجعلون قدوم هذه الحملة هي بداية تاريخنا الحديث، مع أن بداية تاريخنا الحديث في العصر الحديث هي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فهي البداية الحقيقية للعصر الحديث.
المهم أن حملة نابليون جاءت ومعها التبرج والتفرنج والدياثة والانحطاط، ولكن نظرة المسلمين اختلفت في هذه المرة! نظرة المسلمين اختلفت عنها فيما سبق، فأخذوا ينظرون بشيء من الإعجاب إلى هؤلاء الذين جاءوا ومعهم مستحدثات الحضارة الغربية التي كانوا قد وصلوا إليها في ذلك الوقت، عجبوا بما لديهم من آلات، وما لديهم من وسائل، وأعماهم ذلك عن الدياثة والانحطاط الخلقي الذي رأوه.
ويشير المؤرخ المسلم الجبرتي إلى أحداث وقعت في أثناء تلك الحملة، وكيف انبهرت كثير من المسلمات بالنساء الكافرات وتشبهن بهن وتزيين بزيهن.
وظل الأمر قضية محدودة، ولكن أعداء الله كانوا يدرسون الخطة بإحكام وإمعان.
إلى أن جاء الاحتلال الإنجليزي إلى مصر، وجاء بالذات اللورد كرومر، وهو رجل غريب عجيب في خططه ومؤامراته على هذه الأمة.
في ذلك الوقت ابتدأت القضية التي سميت في ما بعد قضية المرأة، حين ظهر كاتب قبطي نصراني يدعى مرقص فهمي، فكتب كتاباً سماه: المرأة في الشرق، في نفس الوقت الذي ظهر فيه هذا الكتاب -والذي دعا فيه إلى التحلل من أخلاق الإسلام وأحكام الإسلام، والإباحية- كان هناك العمل الذي يديره اللورد كرومر في صالون إحدى السيدات المتفرنجات، حيث كان ذلك الصالون يضم نخبةً ولفيفاً من قادة الفكر، وقادة السياسة، ومن ذلك الصالون خرجت فكرة أخرى، وهي: أن كتاب مرقص فهمي لم يؤد الدور المطلوب؛ لأنه قبطي نصراني، والأمة الإسلامية لا تثق أن تأخذ دينها عن النصارى؛ فكان أن خرج كاتب منتسب إلى الإسلام وهو قاسم أمين بكتابه: تحرير المرأة، وأعانه على ذلك -كما ثبت تاريخياً- من كان يستضيفهم ذلك النادي، ومنهم الشيخ محمد عبده وغيره؛ أعانوه على تحقيق مسألة هي في ذاتها صغرى بالنسبة لما بعدها، ولكنها البداية التي تبدأ منها المؤامرة في كل مكان وفي كل بلد، وهي: أنه لا يجب على المرأة أن تغطي وجهها، بل قالوا: إنّ تغطية الوجه هي عادة من العادات التي ورثها المسلمون عن الفرس أو الترك، وليست من الدين في شيء، كان هذا هو محور ومضمون كتاب تحرير المرأة.
وبعد سنوات كتب قاسم أمين كتاباً آخر أسماه: المرأة الجديدة، وفي هذا الكتاب قال بصراحة وبعلانية وبوضوح: إنه لابد للمرأة المسلمة أن تقلد النساء الغربيات في كل أمورها.
وقد واكب ذلك أن بعض الصحفيين النصارى الذين كانوا يعيشون في بلاد الشام والذين كانوا قد تعرضوا للأذى من الحكومة التركية نتيجة جهودهم التنصيرية ومؤامراتهم الخبيثة هاجروا إلى مصر، وأسسوا مجلات وصحافة، وظهرت بذلك أول صحف تتحدث بوضوح عن المرأة وقضية المرأة ودور المرأة على يد أولئك النصارى، فكانت القضية مخططاً لها من جميع الجهات ومن جميع الوجوه.
ثم كانت الثورة المصرية عام (١٩١٩م) وقيل للمرأة: لابد أن تشاركي في تلك الثورة؛ فخرجت وعملت مظاهرات، وكانت بذلك تعطي المبرر الذي أراده المخططون وهو: أن المرأة تشارك في تحرير الوطن، وتشارك في إخراج العدو ومقاومة العدو المحتل، فلماذا تبقى مظلومة وتبقى مهدرة؟! لماذا لا تكون على قدم المساواة مع الرجل؟! وخرجت نتيجة لذلك مظاهرات نسائية، واجتمعن في ميدان عام، وخرجت التي تولت كبر هذا الموضوع وهي المدعوة هدى الشعراوي، وخلعت الحجاب وأحرقته في الميدان أمام المتظاهرات، وأمام الزعيم سعد زغلول.
ومنذ ذلك الحين -والتاريخ كما تعلمون ليس ببعيد- بدأت المرأة المسلمة تكشف عن وجهها، وبدأت المؤامرة تحكم أنفوختها وأحبولتها على تلك البلاد وفي كل مكان.