[النوع الأول: المصادر الباطلة]
وهي مصادر باطلة قطعاً، وما توصل إليه فهو باطل، فليست مصادر حق، ومن ذلك ما تعودته كثير من الأمم في القديم والحديث من السحر ومعرفة الغيب، أو ادعاء ذلك عن طريق الكهانة والتنجيم والسحر، وعن طريق الأبراج والشعوذة، وعن طريق الخط والرمل الباطل الذي يزعم الدجالون والمشعوذون أن الله تبارك وتعالى علمه لأحد أنبيائه، فذلك من الحق لا شك كما جاء في الحديث لكن ذلك ليس كما يصنعه الدجالون والمشعوذون عن طريق فك الطلاسم، وعن طريق سر الحروف -كما يسمونه- أو السيمياء، وهذه الأنواع موجودة ومشهورة عند أهل الكتاب وغيرهم.
ومن ذلك ما هو موجود في أول تفسير الطبري وأشار إليه ابن كثير رحمه الله في أول التفسير عند قوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:١ - ٢] وذلك أن اليهود قد ظنوا هذه الحروف المقطعة رمزاً لمُلك هذه الأمة، وأنها ستبقى كذا وكذا من الأعوام، قدروها أول الأمر بـ (١٥٠ عاماً إلى ٤٠٠ إلى ٧٠٠) على اختلافٍ في الروايات واختلافٍ -أيضاً- في دلالة الرموز، لأنها تختلف دلالة الرموز والحروف، وهذه دلالة قديمة موجودة في كتب أهل الكتاب، كون الحروف رموزاً إلى حقائق من علم الغيب -كما يزعمون- موجود عند أهل الكتاب في كتبهم، وهي موروثة عن قدماء الصابئة والأمم السابقة كالبابليين والكلدانيين وأمثالهم من الوثنيين، فإنه كان من جملة طلاسمهم وشعوذتهم وتنجيمهم أنهم كانوا يستخدمون حروف الجمّل، التي تكتب: أبجد هوز حطي كلمن إلخ ويرمزون لكل حرف برمز، يقولون: إنها تحتوي على أسرار ما كان وما سيكون.
وما من مسلم والحمد لله إلا وهو يعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد}.
ومع ذلك فإن هذا واقع، وأكثر ما يذكر في هذا على سبيل التمثيل الموجز "القبالة اليهودية" التي قد تكتب "كبالة" باعتبار الحروف اللاتينية، هذه الكبالة علم سريّ عند اليهود يعتمد على السحر والطلاسم، ويزعمون أنهم به يكتشفون ما سيقع في المستقبل، ويؤولون رموزاً موجودة في المزامير وفي الأسفار القديمة، مثل: "سفر دانيال" وغيره، وكذلك ورث النصارى هذا العلم أو جزءاً منه، وأضافوا إليه ما أضافوا، مثل: "رؤيا يوحنا" المشهورة، وهي آخر ما يوجد في العهد الجديد أو الأناجيل من الرسائل، وهي موجودة لمن أراد أن يطلع عليها.
المقصود أن هذا العلم -كما يسمونه- من العلم الباطل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد سماه علماً، وإن كان ليس حقاً؛ قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢] فالمقصود أن هذا كان متفشياً في الأمم قبلنا.
ثم ظهر وتفشى في الأمة الإسلامية -مع الأسف الشديد- وأظهر ذلك الرافضة، عندما ادَّعَوْا أن لديهم كتاب " الجفر " و" الجامعة " وأنه في الجفر يوجد خبر ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة، وأن هذا الجفر منسوب إلى جعفر الصادق، كتب فيه الملاحم إلى قيام الساعة، ويوجد لديهم بعض النسخ إلى الآن في بعض المكتبات، وبعضهم يفك رموزه ويحللها على أنها أحداث معينة وقعت أو ستقع.
ولا شك أن الرافضة والشيعة الذين كان مبتدأ أمرهم -كما تعلمون- فكر عبد الله بن سبأ اليهودي تأثروا جداً باليهود وما عندهم وأخذوا منهم، ومن جملة ما أخذوا منهم هذا الادعاء.
فهم يزعمون أن أهل البيت يعلمون الغيب، وما كان وما سيكون، وأن هذا هو العلم المخفي أو العلم الخاص المضنون به على غير أهله، الذي لا يطلع عليه سواهم، وقد ادعى ذلك -أيضاً- الصوفية؛ فإنهم زعموا أن أولياءهم وكبارهم يعلمون ذلك بطريق كسبي أو كشفي، ومن ذلك ما هو مشهور عن ابن عربي وابن سبعين وأمثالهما ممن كتبوا في ذلك، وقد عظمت الفتنة بذلك، ومن العجيب أنه في بداية أزمة الخليج الماضية شاعت عند الناس أبيات نسبت إلى ابن عربي.
وشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله وقف لهؤلاء جميعاً بالمرصاد، وبيّن باطلهم، وزيّف كلامهم، حتى إنه -رحمه الله- دعاهم إلى المباهلة لأنه واثق وموقن أنهم على باطل، فدعاهم إلى المباهلة فيما يدّعون ويزعمون من أخبار مما يقع في آخر الزمان وفي نهاية أمر هذه الأمة وشأن دولها وملوكها، وهذا موجود في الجزء الرابع من مجموع الفتاوى (ص:٨٢) وما بعدها ومثلهم -أيضاً- الرفاعية البطائحية وأشباههم، فانتشر هذا عند الصوفية كما انتشر عند الرافضة، وانتشر هذا عند العامة والخاصة؛ لأنه كما قال ابن خلدون: ' أكثر وأول من يهتم بأخبار المستقبل وقيام الدول وسقوطها هم الملوك والحكام الذين ليسوا على العقيدة الصحيحة؛ فهم يهتمون بأمر ملكهم كم سيبقى؟ وكم سيأتي بعدهم من ملوك؟ إلخ ' لكن الأمر شاع وانتشر حتى أصبح -أيضاً- بين العامة، ومن العجيب لمن يقرأ كلام ابن خلدون رحمه الله عندما يقول -وهذا معنى كلامه بإيجاز-: "إنه يمر كهان أو منجمون جوّالون يتجولون في الأسواق ويستدعون الناس ويقولون لهم: نحن نخبركم بالأحداث التي تهمكم، فيأتيهم الناس يعطونهم النقود ويطلعون -بزعمهم- على ما سيقع لهم".
وهذا الذي أخبر عنه ابن خلدون تفشّى في معظم أنحاء العالم الإسلامي، وهو في الحقيقة لا يزال إلى الآن متفشياً في أكثر العالم الإسلامي، لا نقول: في البوادي، بل في هذه البلاد منتشر في البوادي ولدى الطبقة الخاصة المثقفة في غير هذه البلاد؛ بل إن هنالك في بعض الدول معاهد أو مدارس تسمى المعاهد الفلكية أو المدارس الفلكية مختصة في هذا النوع من الدجل والشعوذة أو الرجم بالغيب لإفساد عقائد الناس وابتزاز أموالهم! وهذا لا شك ولا ريب في أنه خدعة شيطانية يريد الشيطان أن يخرج الناس بها عن الاعتقاد الصحيح، وأن يوقعهم في حبائل الشرك والمشركين، ولهذا ينتج عن هذا النوع الذي هو الخرافات والأساطير والشعوذات -أي: النوع الذي هو المصدر الباطل -ينتج عنه فساد العقيدة، وهو أعظم فساد يقع في الأرض.