لقد تعددت العبوديات وتنوعت؛ فهناك اليوم بشر! يعملون في المصانع النووية، وينتجون القنابل الذرية التي يهددون بها المسلمين، ولكنهم يعبدون البقر! هذا الحيوان المعروف الذي نراه!! ويتبركون بما يخرج منها!!! وهناك من يعبدون البشر ويعطونهم الربوبية الكاملة وهم -أيضاً- أحياء، وفي القرن العشرين القرن الذي يقال عنه: إنه قرن الحضارة والعلم والتطور، وإن مرحلة الدين هي مرحلة تجاوزتها الإنسانية وخلفتها وراءها، وانتقلت الآن إلى طور الحضارة وطور العلم، وما الدول الشيوعية إلا نموذج لذلك.
ويوجد -أيضاً- عُبَّاد الشهوات الذين يعبدون الهوى، والذين يعبدون بطونهم وفروجهم، وهؤلاء يقدمون عبودية كاملة وعبودية حقيقية.
قد يقول البعض: إنها ليست عبودية بالمعنى الواضح، ولكنها في الأخير نرى أنها عبودية لمن أوحى ولمن وسوس ولمن زين هذه العبوديات؛ إما عبودية الشيطان، أو عبودية المرأة، أو عبودية الأفلام، أو عبودية الخلاعة، أو عبودية ما يسمى بالموضات، فكل هذه أنواع من العبودية.
وهناك -أيضاً- عبودية التقاليد وهي عبودية شديدة الوطأة فهي ثقيلة، ولا أدَّل على ثقل هذا النوع من العبودية من أنه في إمكان الإنسان أن يتعبد أو يصلي أو يستقيم مع أنه يتعرض للأذى لكنه قد يتحمل ذلك، لكن أن يخالف عادة اجتماعية أو تقليداً من تقاليد القبيلة أو من تقليد البيئة فهذا أشد شيء عليه، وهنا تظهر حقيقة اتباع الناس لهذه العبودية التي لم يشرعها الله تبارك وتعالى وإنما هي تقاليد، قال تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:٢٢] فقط! دون النظر إلى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحل هذا أو حرَّمه.
هناك -أيضاً- عبودية أخرى، وهي عبودية اللهو واللعب (عبودية الملاهي بجميع أنواعها) فشياطين الجن والإنس الذين كما قال الله تبارك وتعالى عنهم: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}[الأنعام:١١٢] أوجدوا هذا النوع من العبودية لمن؟! للجماهير (الطبقة العريضة الممتدة من البشر الذين هم أقل من أن يفهموا الأفكار أقل من أن يستوعبوا المبادئ أو النظريات التي يخطط لها هؤلاء الشياطين) فجاءوا لهم بعبودية اللهو واللعب، ومنها: الكرة -كمثال على ذلك، فالفرق كبير بين (الرياضة -بين النشاط- بين الترفيه) بين أي نوع من الأنواع التي يمكن أن يقوم الإنسان بها مع نفسه أو مع غيره، فرق بين هذه وبين العبودية التي تعطي الولاء والبراء! تعطي المحبة والبغض! وهذا الذي فطن إليه شياطين الجن والإنس، فرأوا أن القلب البشري -كما خلقه الله- لا بد أن يُعادي وأن يوالي، أي: أن فيه خطان مزدوجان: خط الحب وخط البغض.
فمثلاً: عندما تسمع أي خبر في الإذاعة عن القتال في أفغانستان، فمجرد أن يخطر على بالك هذا الخبر فإنك سوف تتعاطف تلقائياً مع إخوانك المجاهدين، وتتمنى أن يكون الخبر مفرحاً، وأنهم حققوا انتصارات كبيرة على عدوهم! وبالمقابل تتغيظ من عدوهم وتبغضه، وتتمنى أن يحقق الله له الذلة والهزيمة الساحقة! (وهذه هي فطرة بشرية!)، فأراد شياطين الإنس والجن أن يأتوا إلى هذا الإناء فيفرغوا فيه ويضعوا فيه ما يملؤه مما يصرف البشر -وبخاصة المسلمين- ويجعلهم يعرضون عن الطريق القويم إلى طريق آخر، وهذا الإناء الذي جعله الله تبارك وتعالى لنا هو القلب، فإذا امتلأ بما يضعه هؤلاء الشياطين؛ فلن يبق فيه مجال لما يلقيه الملك الذي يأمرك بالخير، كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ويظهر أنه موقوف عليه){إن للملك لمة وللشيطان لمة} فالقلب البشري تعتريه لمة الملك ولمة الشيطان، ولا يمكن أن يخلو القلب من هذا أو ذاك؛ فهؤلاء يريدون أن يجعلوا لمة الشيطان هي الغاية، فلا يبقى للمة الملك مدخل ولا منفذ إلى القلب البشري؛ ولذلك جاءوا بهذه المغريات، وأتوا بالتعصب والتحزب والولاء والعداء لها! فجعلوها كأنما هي غاية!! فتحققت عبودية المشتغلين بها على النحو الذي خطط له هؤلاء؛ فالقلب البشري لا يخلو من الحب والكره، وهما (أي: الحب والكره) مع الإرادة يحققان العبودية لأي معبود كان.