للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البناء الأسري]

ومن العجائب التي لن تصدقونها وقد قرأتها في الكتاب بنفسي أن جورباتشوف ينتقد أو يريد إعادة الحساب في موضوع المرأة، كيف؟! الشيوعية التي تقول: إن العالم بدأ بـ الشيوعية البدائية التي لا يملك المرء فيها زوجة أبداً، والمرأة كانت كالرجل تعمل، وتنتهي بـ الشيوعية الأخيرة التي تحكم العالم وتسيطر عليه، والتي تقول: إن المرأة كالرجل في كل شيء، الشيوعية التي تفتخر بأنها أخرجت النساء إلى المعسكرات العمالية والمصانع، وأنتجت وبلغت الذروة -كما يقولون- في كل شيء.

غورباتشوف يقول: لا، كنا مخطئين، وكانت ظروف الحرب من جهة، وكان واقعنا ونحن نريد أن ننشئ البلد اقتصادياً من جهة أخرى، جعلنا نستعجل ونخرج المرأة؛ ونعطي قومية المرأة شكلاً أكبر مما تستحق، أما الآن ونحن نعيد البناء فلابد أن نفكر في وظيفة الأمومة وبوضع المرأة في البيت.

نعم، يا دعاة تحرير المرأة في كل بلد وفي كل مكان! هذا جورباتشوف بنفسه يقول: نعم، نحن أخطأنا، ولم ندرك حقيقة وظيفة المرأة، ولهذا فإن من ضرورات إعادة البناء: إعادة بناء الأسرة سبحان الله! ماذا كان الشيوعيون يقولون عن موضوع الأسرة؟! الأسرة تقليد برجوازي، تقليد إقطاعي، وعبارات سخيفة لا أريد أن أثقل بها عليكم، حتى لو فتحت إذاعة من إذاعات الدول التي ما زالت حتى الآن شيوعية، وتدندن للشيوعية البرجوازية من بين كل عشر كلمات تجد كلمة برجوازي، والمهم أي كلام، فيقول: الأسرة تقليد برجوازي.

وكان ماركس يقول: أصل الأسرة ليست شيئاً حقيقياً، أي: أن الأسرة خلقها وأوجدها العامل الزراعي فقط، أي: عندما كان في العصر الزراعي كان الرجل يزرع والمرأة تزرع معه، وهو يجني الثمار وهي تطبخ، فمن هنا وجد ما يسمى الأسرة فقط، لكن في عصر الصناعات والآلات فالرجل يصنع قطعة والمرأة تصنع قطعة ويضعونها في الجهاز ويشتغل، هذا يعمل من ناحية وهذه تعمل من ناحية أخرى، ما الضرورة الآن لوجود أسرة! فألغى ماركس الأسرة تماماً! ولما جاء استالين قال: لا يمكن للناس أن يعيشوا هكذا، فقال: الأسرة البرجوازية هي الأسرة التي تعيش بأخلاق العصر الزراعي أو بالدين، لكن نحن نستطيع أن نوجد أسرة تقدمية وعلمية، كيف؟ قال: أن تغير المرأة النية، فقد كان الشخص يتزوج لكي ينجب أطفالاً ويعيش معهم في عصر الانحطاط والتأخر والرجعية أيام الأديان، أما الآن فلا بد أن تغيروا النية، وانووا عندما تتزوجون أن تنجبوا أبناءً عماليين، يصبحون عمالاً في المصانع وأعضاء في السوفيتيات حتى ينهض البلد ويتقدم ويحقق الشيوعية في العالم، فأعاد تكوين الأسرة لكن بشكل آخر وباسم آخر.

الآن غورباتشوف يقول: حتى الكلام هذا لا فائدة منه، بل الحقيقة التي لابد أن نعترف بها أن الأسرة لابد أن تقوم، وأن المرأة لابد أن تعرف دورها المهم وهو أنها أم، وتكون في البيت.

والمجال لا يتسع لكي أذكر لكم كلامه بالنص، المهم أنه قال: من أهم الأشياء أن ترجع الأسرة، هذا الكلام سيترتب عيه أن البناء الشيوعي بأكمله سينهار، والحقيقة أنه على اختلاف المحللين في مسألة إعادة البناء، ليس المهم عندنا السبب بالضبط أو النتيجة أياً كانت، بل يهمنا أن إعادة البناء منطقياً تبتدأ من هدم الموجود، فلابد أن يهدم الموجود أولاً.

ففي العالم الإسلامي هل تعيش الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية هذه المرحلة؟ هل نحن الذين واقعنا كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} وفي رواية: {ولو أن أحدهم أتى امرأته على قارعة الطريق لفعلتموه} والعياذ بالله! عندما غزيت الأمة الإسلامية بهذه الفكرة وبهذا المذهب واعتنقته، وأصبح يحكم أكثر العالم الإسلامي، كيف نظر العالم الإسلامي إلى عملية البناء؟ اختصاراً للوقت ولكي آتيكم بمثال حي حاضر، أقول لكم ماذا حدث في الجزائر منذ أسابيع الحزب الشيوعي الجزائري جمع نساء عدة، وأخرج ثلاثة آلاف امرأة متظاهرة من الرفيقات، لأن العضو في الحزب الشيوعي يسمى رفيقاً، فأخذوا ثلاثة آلاف رفيقة أو رقيقة، وقالوا لهن: اخرجن وطالبن بإلغاء قانون الأسرة، أي عكس ما يجري في الاتحاد السوفيتي تماماً، إلغاء قانون الأسرة لأنه مشتق من الشريعة الإسلامية أو لأن فقرات منه مأخوذة منها، فخرج الثلاثة آلاف واتجهن إلى مبنى البرلمان، ورفعن الشعارات الشيوعية وطلبن بإلغاء قانون الأسرة، فماذا كانت النتيجة؟ تداعى أهل الغيرة والحمية والإيمان، وهبوا من كل جهة، فخرج مليونان ونصف المليون من المتظاهرين من بينهم مليون ونصف امرأة خرجن في العاصمة وبعض الولايات يطالبن بالحجاب، ونشرت الصحف صورهن والتلفزيونات الغربية ذهلت من هذا المنظر، وكن يلبسن الحجاب، كما ترون النساء المغربيات في الحج والعمرة لا يبدو منهن إلا العينين، ويرفعن اللافتات العريضة: احكمونا بالإسلام، شعب الجزائر مسلم، فصعقوا وذهلوا.

ولكن هل قالوا: يحق للأمة الإسلامية إعادة البناء؟ لا، بالنسبة للاتحاد السوفيتي بحق له إعادة البناء وإعادة النظر فيما هو سائر فيه، أما المسلمون فلا يحق لهم إلا أن يعيشوا تبعاً وأذلاء وموالين ورقيقاً للشرق أو الغرب، ولا يحق لهم إلا ذلك.

والصحف الفرنسية بالذات صعقت وذهلت وعلقت تعليقات كبيرة، وبعد أن تأكد رئيس فرنسا من حقيقة الموضوع؛ قال: هذا أمر لا يمكن السكوت عليه، ولو أن هؤلاء الأصوليون وصلوا إلى السلطة لتدخلت عسكرياً كما تدخل بوش في بنما، فهذا لا يمكن! لكن أن تغير روسيا أو تغير بريطانيا من رأسمالية إلى شيوعية أو من شيوعية إلى رأسمالية هذا ممكن، لكن الأمة الإسلامية تقلب من أمة اشتراكية إلى إسلام فهذا لا يمكن أبداً!