اعلموا أن هذه الأمة فيها خير عظيم, خير لا نكاد نتصوره نحن، ربما وجدت ذلك الإنسان الذي مظهره من بعيد يشعرك بالمعصية -مثلاً- أو يشعرك بالتقصير، ربما لو قدحت هذا الخير الذي في قلبه لأصبح نوراً عظيماً يشع ويضيء للحي كله، أو للبلد كله، ولكن من الذي قدح ذلك الخير؟ من وعظه؟ ومن ذكره؟ ومن جالسه؟ ومن صاحبه؟ ومن أهدى إليه؟ أهد إليه هدية: كتاباً، شريطاً أهد إليه هدية من هدايا الدنيا، أشعره أنك تحبه، ثم خاطبه من جسر المحبة.
أمتكم -الحمد لله- على خير! هذه الأمة فيها الخير إلى قيام الساعة، لا تظنوا أن ما وقع فيها من شهوات أو شبهات، سيمحو منها الخير.
إن ما انتشر في المجتمع الإسلامي من فواحش أو رذائل أو موبقات إلى غير ذلك، إنما هو بفعل الشهوات النفسية والشيطان، والاحتكاك بالغرب، لكن لا تزال المجتمعات الإسلامية اليوم، هي أفضل أنواع المجتمعات وأكثرها تواصلاً ولله الحمد، فالمجتمعات الأخرى تفككت ولا يرتبط بها أحد بآخر.
قد يكون هناك تماسك في المجتمع، لكن الصلات الأسرية مفقودة تماماً، ونحن -والحمد لله- لدينا الكثير من طرق الخير.
انظروا كيف كنا قبل رمضان، فلما جاء رمضان اجتمعنا في بيوت الله، واستمعنا إلى ذكر الله، وتسابقنا إلى الصناديق لنتصدق وننفق، وأخذنا نتساءل: كم عندكم في الحي من أرامل؟ كم عندكم من محتاجين؟ هل فعلتم كذا؟ هل جمعتم كذا؟ وإذا بكل واحد منا يدل الآخرين على الخير، ثم ذهب رمضان فتراخينا، وإذا بنا الآن نقول: ما هو الحل؟ فجاء الحج وهو موسم جديد، وفيه خير، وفيه وفيه وهكذا، ولا يأتي موسم إلا وبعده موسم تتحرك الأمة فيه.
فالأمة الإسلامية بنيان، لكن على ماذا يقوم هذا البنيان؟ لا يقوم على اللبن، أو الحجارة، ولا يقوم على أي شيء، ولكن الحديد الذي بداخله هو أساس قيامه، وهم طلبة العلم وأهل الخير في هذا الحي أو في أي حي، هم مثل الحديد، إذا قام الحديد وقوي، فسيجتمع عليه بعد ذلك ما يوضع من البناء، ويكون كله قوياً بإذن الله تبارك وتعالى.
فالواجب علينا رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، أياً كان موقعنا، أن نتذكر هذا الواجب وأن نسعى إلى نشر هذا الخير، وأن يعلم كل منا أنه مسئول أمام الله تبارك وتعالى في حدود ما يستطيع، وأن الواجب علينا أن نكون أمة داخل الأمة، أن نكون كما أمر الله تبارك وتعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:١٠٤] هذه الأمة وهذا عملها داخل الأمة التي قال الله تبارك وتعالى فيها: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٩٢]، وكما قال تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[البقرة:١٤٣]، فنحن طلبة العلم ورواد بيوت الله، والذين نحب الخير أمة داخل الأمة الإسلامية الكبرى، نحن مجتمع داخل هذا المجتمع، لا ننفصل عنه ولا ننعزل، لكن نقوم بواجب القِوامة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا هؤلاء ونكون ممن يدعون الناس، فهم بعد ذلك يستجيبون لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، ولمن يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى من دعاة الخير والهدى والإصلاح في المجتمع.