إذا افتقرت إلى الله أغناك عن الناس وكنت عزيزاً عندهم؛ لأن علاقتك قوية بملك الملوك الحي القيوم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، والذي لا تنضب خزائنه، والذي يفعل ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء، ويحيي من يشاء، ويميت من يشاء، ويضحك من يشاء، ويبكي من يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكل شيء بيده.
وبقدر قربك منه تكون هذه الأمور كلها ميسرة لك، ويقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي:{من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنه} الله أكبر! كل هذا بسبب التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض! والمهاجرين والأنصار يوم بدر وقفوا ذلك الموقف، قال عليه الصلاة والسلام:{وما أدراك يا عمر! لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}.
وقفوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا الموقف، فكانت هذه هي المكرمة من الله، وهكذا فإن كل من يقف مع الله فإن الله يكرمه ويحفظه، وحب الله له يكون بقدر قربه من الله، وكلما كان هذا القرب محفوفاً بالمخاطر والمضار -والنفس لا تريد ذلك- بقدر ما يكون هذا القرب من الله عز وجل، وإذا علمت أن كل هؤلاء الذين يعادونك ويحاربونك، ويحاولون أن يثنونك عن القرب من الله والسير إليه، إذا علمت أنهم جميعاً خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم عبيد له؛ هانت عليك المضار، والمهم في ذلك أن تعمل لله وعلى منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما ما عدا ذلك فهو المتكفل به، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣].
فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ كانت كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم بعد ذلك:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران:١٧٤] الله أكبر! وقال في آية الأحزاب: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:٢٥] وعندما يرى المسلم هذه الأمور، ويرى هذه اللفتات، فيزداد إيماناً، وتسليماً، ويقيناً، ويعلم أنه لا بد منها في إيمانه.