إن الناس إذا أرادوا دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وشرعه، فهو لا يقوم إلا بالجهد وبالدعوة، وبالصبر والتضحيات، وربما أدَّى إلى الجهاد وإراقة الدماء حتى يقوم هذا الدين كما هو الآن في أفغانستان وإرتيريا، لأن هذا الدين لا يقوم إلا بالجهد والجهاد الحقيقي الذي لا جدال فيه، ولكن لو أرادوا غير ذلك كـ الديمقراطية -مثلاً- فهل يحصلون عليها بلا تعب؟! رومانيا لما أرادت الديمقراطية ماجاءتها إلا بعد حمامات الدم التي أرعبت العالم، وأوروبا الشرقية لما أرادت التخلص من الديكتاتورية والاستبداد لم يأخذوها إلا بالجهد والتعب.
فالشعوب والأمم التي لا تجاهد ولا تضحي من أجل إقامة دين الله، فسوف يعاقبها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن تضحي وتجاهد وتتعب وتخسر وتريق الدماء من أجل الطواغيت والمجرمين والأنظمة الكافرة المرتدة، فـ حزب البعث في العراق وسوريا، خسرت هذه الشعوب خسارات عظيمة جداً من أجل أن يبقى هؤلاء الزعماء المجرمون، ويبقى هذا الحزب المرتد مسيطراً على البلاد، ولو أن هذه الخسارة في الأرواح والأموال والأنفس والمطاردين والمهاجرين -ومصائب لا يعلمها إلا الله- بذلت لإقامة دين الله لقام هذا الدين في العالم كله، ولو بذل بعض منها لإقامة الدين في تلك البلاد لقام، ولكن الناس ضحوا وبذلوا من أجل بقاء هؤلاء المجرمين، فكانت العقوبة أن يسلطهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم أكثر.
وهكذا في كل مكان؛ إما أن يدفع الناس ضريبة الإيمان وضريبة العزة، ولا تنال العزة الإيمانية إلا بجهد، قال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:٢]، ولذلك فقد جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرسل من قبله، وصبروا وصابروا ورابطوا، وكذلك جاهد العلماء الذين جددوا دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومن المعلوم أن الحكومة السعودية الأولى لم تقم على التوحيد الخالص النقي مجاناً، بل بجهادٍ وجهد شديد حتى تأليت عليها القوى الطاغية المجرمة وقضت عليها.
وهكذا الدعوات دائماً لو لم تجاهد في سبيل الله فإنها تقدم تضحيات وجهود عظيمة في سبيل الشيطان وتدفع ضريبة الذل، أما ضريبة العزة فكل قطرة دم تراق في سيبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للجهاد ومن أجل إعلاء كلمة الله -كما هو في أفغانستان أو غيرها- لها موقع عظيم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهي -إن شاء الله- لبنة من أجل الوصول إلى هذا الأمل الكبير بإذن الله مع تصحيح المسار، وتنقية الصف إلى آخر الشروط الأخرى، ولو فرضنا أن أفغانستان رضيت بالحكم الشيوعي لقامت بقتلهم وانتهاك أعراضهم وأخذ أموالهم كما فعلت في اليمن الجنوبي، وليبيا وغيرها، وكما فعل البعثيون في العراق وسوريا.
وكان المسلمون الأفغان سيقدمون تضحيات أكثر وأعظم وهم في ذلة أجارنا الله وإياهم منها! إلى الآن قد خسروا أكثر من مليون شهيد، لكنها بعزة وثمنها والحمد لله عظيم جداً، ولو لم يكن فيه إلا أن الناس أيقنوا أن بإمكان أي شعب أعزل -إلا من الإيمان بالله- أن يقاوم أقوى دولة في العالم، فكيف لو استكملنا الشروط الشرعية، وتجنبنا الموانع الشرعية لتحقيق النصر الكامل، من الوحدة وتوحيد الصف والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم التفرق كما أمر الله بتوحيد المجاهدين والدعاة والمسلمين في كل مكان، فيتوحدون على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج السلف الصالح والتواصي بالحق وبالصبر، ويكونون يداً واحدة كما أمر الله تعالى حيث يقول:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣]، وقال في الآية الأخرى:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:٤٦] فهذا سبب من أسباب النصر.
والأمر الآخر هو:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:٦٠] فلم يكلفنا الله مالا نطيق، فلا يأت قائل ويقول: روسيا لديها قنابل نووية، ونحن لا يوجد لدينا إلا بنادق، فنقوم بترك الجهاد، فهذا هو الخطأ بعينه، ولكن علينا أن نعد العدة، فإذا وجدنا أننا يمكن أن نقاوم ووجد لدينا بعض التكافؤ، فنقول: باسم الله! يا خيل الله اركبي، فيكون النصر بإذن الله.