الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فنحن نعيش هموماً وآلاماً وأموراً يجب أن نلحظها بعين البصيرة، وبعين النقد أحياناً، وبعين المراجعة، فيجب أن تكون القاعدة في ذلك هي التذكير، وليس شرطاً أن تكون جديدة.
التذكير بالأمور التي قد نغفل عنها جميعاً، أو ننساها في زحمة العمل، وأهمها وأعظمها تقوى الله تبارك وتعالى، فإن الله عز وجل أوصى بها الأولين والآخرين كما في كتابه المبين:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}[النساء:١٣١] أن نتقي الله تعالى في كل ما نأتي ونذر، في حركات أبداننا وخلجات قلوبنا، وألفاظ ألسنتنا، وأن يكون الله تعالى -وهو كذلك عز وجل- مطلعاً ورقيباً علينا، فلنستشعر نحن هذه الرقابة دائماً، وأن نعامله ما استطعنا بدرجة الإحسان كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.
والأولى بهذه الدرجة هو طالب العلم، والداعية إلى الله، أن يعبد الله بهذه المرتبة (أن تعبده كأنك تراه) فنحن آمنا به -عز وجل- بالغيب، فيجب أن نستشعر هذه الحالة، وبقدر يقيننا وإيماننا ورسوخ الإيمان بالغيب في قلوبنا، نجد أننا نسمو ونرتفع في آفاق إيمانية عظيمة، تعجز عن وصفها الألفاظ والعبارات والألسن، ولكنها منازل يبلغها الله -تبارك وتعالى- من شاء من عباده ويرفعهم إليها درجات.
فأولى الناس بأن يرتقوا هذه المنازل ويرتفعوا في هذه الدرجات العلى هم طلبة العلم، ونعوذ بالله أن يكون أحدنا شمعةً تحترق لتضيء لغيره، أن يستفيد الناس من مواعظنا ومحاضراتنا وندواتنا، ونكون نحن آخر من يستفيد منها، إنما الواجب علينا أن نجعل تقوى الله -تبارك وتعالى- نبراساً لنا في حياتنا وفي كل أمورنا، نحفظ قلوبنا وجوارحنا كما قال تعالى:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:٣٦] وقال أيضاً: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨] فطالب العلم أولى الناس بهذا، إذا نطق أن يكون نُطْقُه ذكراً، وإذا صمت فصمته عبرة، وإذا نظر فنظره فكر، ولا تخلو حال المؤمن من هذا.
وقد عبر عن ذلك بعض السلف -رضوان الله عليهم- فقال في معنى الإخلاص:[[أن تكون حركاته وسكناته لله تعالى، لا يمازجه شيء ولا يخالطه شيء]]، وهذه هي الدرجة التي تجعل الإنسان ولياً لله تبارك وتعالى كما في الحديث القدسي:{وما يزال عبدي يتقرب إليًّ بالنوافل حتى أحبه}.
فإذا جعل الإنسان هذه الرقابة والحصانة على أعضائه ومشاعره، وصارت حركاته وسكناته لله، استحق هذه المرتبة، فإذا كان كذلك صار كما قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي:{كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} فلما حفظ هذه الأمور جميعاً، وزكاها وما دساها، نال ذلك بإذن الله، فتقوى الله مع الإخلاص لله تعالى في القول والعمل هو أول ما نوصي ونذكر به إخواننا.