للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إخلاص المنافقين]

أما بالنسبة للمنافقين فإن الأمر في حقهم أوضح وأجلى، فالمنافقون من أخص أعمالهم وصفاتهم الكذب، كاذبون في دعوى الإيمان، كاذبون في الشهادة بالرسالة -كما في أول سورة المنافقون- كاذبون في عبادتهم، وهم في الحقيقة كما ذكر الله تبارك وتعالى عنهم: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:١٤٢].

فهذا الرياء والكذب في دعواهم أنهم مؤمنون وليسوا كذلك، وأنهم كما ذكر الله تبارك وتعالى من صفاتهم في أول البقرة: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:٩]، وغير ذلك.

هم بهذه الصفات قد جانبوا وضادوا معنى الإخلاص الذي طلبه الله تبارك وتعالى واشترطه من عباده، وكذلك معنى الصدق.

ولذلك نجد أن الآيات التي تتحدث عن المنافقين، وعن أعمالهم يأتي فيها هذان الأمران العظيمان، مثلاً: سورة التوبة، الفاضحة المشقشقة المخزية التي فضحت المنافقين، وأخزتهم وأظهرت بواطنهم وكشفتها، هذه السورة العظيمة يقول الله تبارك وتعالى بعد أن فضحهم، وبيَّن أعمالهم ومنهم، ومنهم، ومنهم، ويقولون، وفعلوا، وفعلوا مما ذكر الله تبارك وتعالى، قال في آخرها موجهاً الخطاب للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]؛ لأن ما تقدم في حق المنافقين يشمله أنهم كاذبون فلم يكونوا من الصادقين.

وأما إخلاص الدين لله تبارك وتعالى، فإن الله عز وجل ذكر ذلك في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١٤٥ - ١٤٦].

فقد جعلهم الله تبارك وتعالى في الدرك الأسفل من النار، فهم أشد الناس كفراً وإظهاراً لمعاندة ما جاء من عند الله، وتكذيباً لرسل الله، فلا ينفعهم أبداً دعوى الإيمان وزعمه إلا بأن يحققوا هذه الشروط، وهي التوبة والإصلاح، والاعتصام بالله تبارك وتعالى.

والشرط الرابع هو: إخلاص الدين لله عز وجل، وهذا دليلٌ على أن من أعظم ما يشوب أعمالهم هو ترك الإخلاص، وهو الشرك -وإن كان النفاق درجات وإن كانت الأعمال درجات- والناس درجات في هذا، لكن مثل هؤلاء الموصوفين بأنهم في الدرك الأسفل من النار، هؤلاء هم أهل النفاق الأكبر، فشركهم أو تركهم الإخلاص؛ لأنهم لم يخلصوا لله تبارك وتعالى في أصل الإيمان وفي أصل الدين.

أما ما عدا ذلك، وهو من يشرك بالله تبارك وتعالى ولا يخلص له في عملٍ من الأعمال، فإن ذلك العمل يحبط ويبطل؛ لأنه كما تقدم في الحديث القدسي: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً -وهذا مطلق، سواء كان في أصل الدين عملاً كبيراً عظيماً، أو أياً كان- أشرك معي فيه غيري تركته وشركه}.

وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يحذر من الشرك دقيقه وجليله، وأن يحذر من الرياء؛ لأنه ضد الإخلاص، ولأن الرياء هو نوع من أنواع الشرك الأصغر، نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من الشرك ما علمنا منه وما لم نعلم.