قال: 'وإذاً فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا'.
بل سؤالهم في موضوع آخر ليس عما يحتج به مبتدعة زماننا: 'من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة الله، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم'.
فهو يقول: القضية قضية مختلفة تماماً عما يقوله هؤلاء المبتدعة، ونلاحظ في عبارة الشيخ رحمه الله عدة أشياء: أول شيء: أنه القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون -قانون عام- مخالف لشريعة أهل الإسلام، يحتكم إليه.
ثانياً: قال عبارة أخرى: ' ولا في إصدار قانون ملزم '.
أي: إن خلفاء بني أمية أو بني العباس، أو غيرهم من المذنبين، أخطأوا فلم يقيموا بعض الأحكام وقصروا فيها إما لهوى أو لشهوة، لكن الحكم الشرعي موجود، ولم يأتوا بقانون ملزم مخالف للشريعة، وعلى ذلك فيوجد فرق كبير جداً بين الحالة الأولى وهذه الحالة.
فهنا عندنا حالة تشريع إلزامي، تلزم به الأمة، ويطبق عليها، ويحاكم ويحاسب من خالفه، ويعاقب من أعترض عليه.
أما الحالة الثانية فهو: ذنب وقع من إنسان، وإذا سئل قد ينكر، أو يعتذر بأن بعض العلماء أفتاه بذلك، أو أنه حكم على مذهب كذا، فهو ليس معتقداً وملزماً به للناس، بل هو في نفسه لا يرى أنه حلال لنفسه فضلاً عن أن يلزم به الناس.
قال: 'فهذا الفعل -أي: إصدار قانون ملزم للناس بغير كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك فيه أحد من أهل القبلة -على اختلافهم- في تكفير القائل به، والداعي إليه'.
أي: الفرق القديمة لم تكن تتكلم عن هذه القضية، بل كانوا يتكلمون عمن يخالف في قضايا أفراد -قضايا معينة- أما إلزام الناس بدين غير دين الإسلام، فلم يخالف في هذا أحد، حتى يأتي مبتدعة زماننا الآن ويقولون: إنه لا يزال مسلماً.