أعظم أنواع الاعتراض: الاعتراض على الله تعالى في دينه، وفيما أنزل من الدين، ووصى به جميع الأنبياء والمرسلين، وبعث به هؤلاء أجمعين، وفرضه على خلقه كافة من توحيده عز وجل ومعرفته بأسمائه وصفاته، ولذلك ظهر في هذه الأمة -مع الأسف الشديد- من يعترض على ما أنزل الله تعالى في أصل الدين، فظهر فيها من يعترضون على أسماء الله وصفاته، وهو الذي له صفات الكمال، ونعوت الجمال، وله الأسماء الحسنى عز وجل وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وما من صفات كمال إلا وهي له، فأي صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالله تبارك وتعالى له فيها الكمال المطلق.
ثم جاء المعترضون على هذا فنفوا صفات الله عز وجل واعترضوا عليها، وأوَّلوا كلامه، وردوا ما جاء عن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يمس أصل الدين وأصل الإيمان، فبعضهم أنكر أسماء الله وصفاته كلها، كـ الجهمية، والمتفلسفة، والباطنية وأمثالهم ممن انحرفوا عن الصراط المستقيم، فهؤلاء لا خير فيهم مطلقاً، ولهذا أخرجهم كثير من العلماء عن فرق الأمة وطوائفها مطلقاً- نعوذ بالله من الضلالة - لأنهم لا يؤمنون حقيقة ًبالله عز وجل لأننا لا نعرف الله عز وجل إلا بأسمائه، وصفاته، فإذا كنا لا نعرف من نعبد، فكيف نعبده تبارك وتعالى؟! فلنفرض أن أحداً كان من أعبد خلق الله؛ لكنه لا يعرف الله، ولا يعرف أن ربه تبارك وتعالى وأن معبوده عز وجل استوى على العرش -كما أخبر في سبعة مواضع من كتابه- فعندما يسجد ويتعبد ويقول: سبحان ربي الأعلى، وهو لا يعرف علو الله فهو متناقض مع نفسه، فكيف يعتقد شيئاً ويقول بخلافه، فلا يمكن أن يُعبد الله عز وجل إلا إذا عرف الله تبارك وتعالى على الحقيقة.
ويليهم: المعتزلة الذين أنكروا جميع الصفات، وأثبتوا الأسماء، وجعلوها مترادفات للدلالة على الذات، فالعزيز والحكيم والجبار والمتكبر وكل الأسماء معناها واحد، فهي مجرد أسماء تدل على الذات، ولا يشتق منها صفات، فهم يقولون -مثلاً-: إن الله تعالى اسمه الحكيم، ولكن لا نشتق منه الحكمة، أو العزيز فلا نؤمن بأن له تعالى صفة العزة وهكذا، فنفوا ذلك جميعاً، وجعلوها كالأعلام المترادفة في الدلالة على الذات.
ثم الأشعرية وهم: الذين خففوا وهذبوا شيئاً من غُلو هؤلاء، ولكنهم لم يثبتوا لله ما أثبته لنفسه تبارك وتعالى أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من غير تعطيل، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تأويل.
فخلاصة القول: أننا نحن الذين رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبكل ما يخبرنا به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
نؤمن بما ذكر وبما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن كل ذلك حق، ولا نفرق بين شيء منه، فنؤمن بعلوه، ونؤمن بنزوله عز وجل في الثلث الأخير من الليل، ونؤمن بأنه تبارك وتعالى يأتي ويجيء يوم القيامة لفصل الحساب، ونؤمن بأنه يكلم ويخاطب من شاء، متى شاء وكيفما شاء، إلى آخر هذه الأسماء والصفات لله تبارك وتعالى، فأولئك الذين سبق ذكرهم هم النوع الأول من الذين اعترضوا في أصل الدين.