وأما شهر شعبان فإن كثيراً من الناس في هذا البلد الحرام، يعظمونه بما لم يعظمه الله تبارك وتعالى به ومن ذلك تعظيمهم ليلة النصف منه، ويزعم بعضهم ويدعي أنها الليلة المباركة التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[الدخان:٣] وذلك مردود بصريح كتاب الله تبارك وتعالى، فإن الله عز وجل يقول:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة:١٨٥] ويقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:١].
فدل ذلك على أن الليلة المباركة تكون في رمضان وأنها ليلة القدر، وهذا واضح جليٌ لمن تأمله إن شاء الله تبارك وتعالى.
على أن بعض العلماء يصحح في ذلك حديثاً، وهو أنه إذا كانت ليلة النصف من شعبان فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتجلى أو ينظر إلى المؤمنين؛ فيغفر لهم جميعاً إلا المشرك أو المشاحن -أي: صاحب العداوة والبغضاء من المسلمين- وهذا الحديث على فرض صحته وعند من يصححه لا يدل على اختصاص هذه الليلة بنوعٍ من أنواع العبادة، وإنما هذا تفضل من الله تبارك وتعالى وإن ثبت فهو دليلٌ من الأدلة الكثيرة على سعة رحمة الله عز وجل وفضله ولطفه بهذه الأمة.
فلم يشرع الله تعالى لنا عملاً معيناً نعمله في هذه الليلة، وإنما يعظم هذا الشهر استعداداً لشهر رمضان، وهذه هي القاعدة نفسها التي ذكرناها، وهي: أن تمتثل أوامر الله من صلاة الجماعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل الخيرات والطاعات، وكذلك بترك ما نهى الله تبارك وتعالى عنه.
وأما الصوم فقد ثبت أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان أكثر صياماً في شهر بعد رمضان منه في شعبان، فالصيام في شهر شعبان هذا سنة، ومن صام منه ما استطاع فقد وافق السنة -إن شاء الله- وهذا ينفرد به شهر شعبان عن شهر رجب كما أسلفنا.