الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول ابن أبي العز -رحمه الله- في شرح العقيدة الطحاوية: وأراد المصنف رحمه الله بقوله: [ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله] مخالفة المرجئة وشبهتهم كانت قد وقعت لبعض الأولين، فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك؛ فإن قدامة بن مظعون شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة، وتأولوا قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[المائدة:٩٣] فلما ذُكِرَ ذلك لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلالها قتلوا، وقال عمر لـ قدامة:[[أخطأت استُك الحفرة، أما إنك لو اتقيت، وآمنت، وعملت الصالحات، لم تشرب الخمر]] اهـ.
الشرح: قال المصنف -رحمه الله-: وأراد الشيخ رحمه الله بقوله: "ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، مخالفة المرجئة ".
لكن هذا القول لم يثبت عن قائل معين من المرجئة أنه يقول: ' لا يضر مع الإيمان ذنب ' كما ذكر ذلك شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله، ولكن الثابت من مذهبهم هو مسألة حكم أصحاب الوعيد والكبائر، فإن المرجئة أو طوائف منهم يرون أنه يجوز ألا يدخل النار أحدٌ من أهل الكبائر، فما كان دون الشرك فإنه يجوز أن يغفره الله تعالى للناس كافة، فلا يدخل النار أحد من أهل الكبائر، وإنما الذي يدخلها فقط هم أهل الكفر والشرك، وفي معتقدهم هذا يقابلون الخوارج حيث تقول الخوارج: إنه لا يدخل أحد من أهل الكبائر الجنة، وجعلوهم خالدين مخلدين في النار كالكفار المشركين بالله تعالى، أما المرجئة فوصفوا أهل الكبائر بالإيمان والتوحيد، وقالوا: حاشا الله أن يجعل المسلمين من المجرمين والموحدين كالكافرين؛ فلذلك يجوز ألا يدخل النار أحد من المسلمين ولو كان عاصياً.
وأهل السنة والجماعة وسط بين أهل التفريط وأهل الإفراط، وأهل الغلو وبين أهل التقصير، فقالوا: يدخل النار قطعاً بعض أهل الكبائر من أهل التوحيد، ويغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمن شاء منهم فلا يدخلونها، وكل صاحب كبيرة عليه أن يخاف وأن يتوقع أنه ربما يكون ممن لا يُغفر له، لكن النهاية لا يمكن أن يخلد أحد من أهل التوحيد والإيمان في النار، وإنما الخلود فيها لأهل الكفر والشرك، فأهل النار الذين هم أهلها كما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الجهنميين هم أهل الشرك والكفر، وأما من دونهم فإنهم يخرجون منها.
ويدل على ذلك ما تقدم في موضوع الشفاعة من أحاديث كثيرة، ولذلك فـ الخوارج ينكرون الشفاعة؛ لأن هذا الإنكار مبني على مذهبهم الخبيث في مرتكب الكبيرة، فالأدلة الدالة على الشفاعة كثيرة جداً، ومنها حديث الجهنميين الذين يخرجون بشفاعة الشافعين، وكلها برحمة الله وفضل منه، فيخرجون من النار بعد أن لبثوا فيها ماشاء الله أن يلبثوا.
أيضاً هناك كثير من الأحاديث الصحيحة الثابتة في دخول أهل المعاصي النار، ومن ذلك الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وفي رؤيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث رأى الزناة، وأكلة الربا، والذين يأكلون لحوم الناس وغير ذلك.
والمقصود هنا هو إجمال المذاهب الثلاثة، وأن فيها طرفين ووسط، وأن أهل السنة والجماعة هم المذهب الوسط، وأما المرجئة فيلزم من قولهم أن من كان من أهل التوحيد فلا يضره ذنب؛ لأنه لن يدخل النار فليفعل ما يشاء.