[المفاضلة بين أهل السنة وأهل البدع]
السؤال
ذكر شَيْخ الإِسْلامِ في بعض كتبه: أن علماء أهل السنة أفضل من علماء غيرهم، ومتكلميهم أفضل من متكلمي غيرهم، وصوفيتهم أفضل من صوفية غيرهم، أو كما قال رحمه الله تعالى، فماذا كان قصده بذكر متكلمي أهل السنة وصوفيتهم وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
كلام شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله هذا كان في مقام المفاضلة، وليس في مقام الثناء على المخالفين، فهناك فرق بين مقام الثناء على المخالفين للسنة -فهؤلاء لا يثنى عليهم ولا يمدحون- وبين مقام المفاضلة، ويشرح هذا الكلام أنه قال رحمه الله: كل خير عند أهل الكتاب أو بقية الأديان ففي هذه الأمة منه أكثر، وكل شر في هذه الأمة أو من المنتسبين لهذه الأمة ففي أهل الكتاب والملل الأخرى منه أكثر ثم نأتي إلى هذه الأمة منها أهل السنة ومنها أهل البدع، فأي شر قد يكون في أهل السنة فهو في غيرهم أكثر منهم، فلو قارنا بين أهل السنة والرافضة الشيعة وهما القسم الأكبر في الأمة، ولهذا يقال الآن: المسلمون سني أو شيعي، ولكن القسمة في الحقيقة ليست هكذا، وإنما هي قسمة بين السنة وأهل البدع، وأهل البدع فرق كثيرة منها الخوارج والمرجئة والصوفية، والفرق هي الاثنتان والسبعون فرقة فلماذا يقال: سني أو شيعي؟ وذلك لأن تخصيص الشيعة بهذا الوصف لكثرة شرهم وفتنهم وبلائهم على الأمة، فجرى العرف على أن الأمة لا تخرج عن أحد هذين الوصفين، ولهذا لا تصلح كلمة سني في مقابل الشيعي، ولا تكون بهذا مدحاً لأنه قد لا يكون شيعياً، ولكنه على بدعة أخرى، وكذلك قد يكون صاحب معاصٍ وفجور وإن كان منتسباً لـ أهل السنة.
فاصطلاح أن كلمة سني مقابل كلمة شيعي؛ هذا اصطلاح في الكتب وفي الواقع، فإذا قارنا بين أهل السنة وبين الشيعة؛ فإن عند الشيعة كل ما عند الطوائف من الأوصاف فـ الشيعة فيهم المتكلمون، وفيهم الصوفية وفيهم العباد إلى آخره، وكذلك السنة بهذا المفهوم، فـ أهل السنة بمعنى الذين ليسوا شيعة نجد أن عبادهم خير من عباد الشيعة، وأن متكلمي أهل السنة خير من متكلمي الشيعة، وإن كان أهل الكلام من أهل السنة يعدون مبتدعة.
لكن بما أنه ليس متكلماً شيعياً وإنما هو متكلم سني بالمفهوم العام فهو أفضل، فكل طائفة من أهل السنة وإن كان فيها ما فيها من خطأ أو انحراف أو بدع، فهي خير من أهل الرفض والتشيع مهما زعموا ومهما ابتدعوا، فهذا هو المقصود.
فمصطلح أهل السنة يطلق بمعنيين: المعنى العام: وهو كل من ليس رافضياً، وقد يقال أحياناً في مقابل أيضاً من ليس معتزلياً محضاً، أو خارجياً محضاً، يعني المتمحض بالبدعة بالكلية، فمن كان على شيء من البدعة أو مقابل هؤلاء يقال: إنه من أهل السنة وإن كان متلبساً ببدعة.
أما أهل السنة بالمعنى الخاص وهم الممدوحون والمفضلون، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؛ فهم الذين لم يتلبسوا بهذه البدع، ولم يكونوا على منهج اعتقادي بدعي، وإن وقع منهم شيء من ذلك فيقع على سبيل الخطأ لا على سبيل المنهج المتبع، وإنما يقع منهم خطأ؛ لأنه ليس شرطاً ليكون الرجل من أهل السنة أن يكون معصوماً، فقد يخطئ، لكن هناك فرق بين من يخطئ فيوافق كلاماً لأهل البدع، وبين من يتبع أهل البدع في منهجهم الذي يعلم أنه مخالف لمنهج أهل السنة.
هذا الذي يحمل عليه مثل هذا القول، أما أن يفهم منه بعضهم أن أهل السنة فيهم الصوفية وفيهم المتكلمون، وهم يقرون على ذلك وهم ممدوحون وهم من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهذا فهم خاطئ، وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله بل كل واحد وليس فقط شَيْخ الإِسْلامِ لا بد أن تضم بعض كلامه إلى بعض، فلو أخذت جانباً من كلام أي واحد، فقد يظهر لك أنه خطأ أو تحكم عليه بالخطأ، لكن إذا ضم الكلام إلى بعضه فُهِمَ المقصود.
فلو جئت إلى كلام شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في مواضع أخرى يتكلم فيها عن المتكلمين وعن الصوفية وما فيهم من الضلال والبدع فإنه ينتقدهم ويذمهم، ويعيبهم، ويبين ضلالهم، وانحرافهم وإن كانوا ليسوا من الشيعة، وإن كان بعضهم يدعون أنهم من أهل السنة، فلا بد للحكم على أي إنسان أن تضم كلامه بعضه إلى بعض، وأن ترد المتشابه من كلام أي أحد إلى المحكم، وهذا عام حتى في غير القرآن أو السنة، فالكلام المحكم الجلي بمعنى القطعي وهو النص تحاكم إليه ما قد يشتبه عليك، أما أن تأخذ المتشابه من كلام أي أحد، فبهذا ضل النصارى والعياذ بالله، ويمكن أن يضل به -أيضاً- أي إنسان أو يجور في حكمه على من يقرأ كلامه أو يستمع إليه.