فضيلة الشيخ، ذكرتم أن الذي يقوم إلى الصلاة ويحس بثقل في نفسه أنه ليس بمؤمن، ويكون فيه صفة من صفات المنافقين، ونعلم أن الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة فهذا الذي يقوم إلى الصلاة ويجدها ثقيلة ألا يكون من الصبر على طاعة الله، ثم إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة:٢١٦] فهذا القتال طاعة لله وعبادة، ومع ذلك هو كارهاً على نفوس المؤمنين، فكيف تكون المحبة شرطاً في العبادة؟
الجواب
هذا الأخ اختلط في ذهنه مقدمة العمل ونتيجته، فقد جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما رواه الإمام أحمد في المسند فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{أسلم قال: أجدني كارهاً.
قال: أسلم ولو كنت كارها} حتى لو كنت كاره فأرغم نفسك على الحق وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فإذا فعل ذلك فيجب أن يحب الإيمان، وأن يحب الصلاة، فالإنسان إذا كان متعباً مجهداً وهو يحبها، فإنه يقوم وهو راضٍ منشرح الصدر، ويصبر على هذا القيام الذي يقومه وهو متعب، فلا تعارض بين هذا وهذا، لأن الباعث والمقدمة للعمل هي المحبة، والصبر ينتج عن محبتك لهذا العمل وأن تصبر عليه وإن كان مؤلماً لأنك تحبه وتريده بقلبك، فالقتال كره، لكن حبك لهذا العمل يجعلك تصبر عليه، وحبك نابع من أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرعه فتكون بذلك قد امتثلت أمر الله.
فليس المقصود أن نجتث ما هو خلقيٌ جبلِّيٌ في نفوسنا من كراهية القيام، أو النهوض مع التعب، أو من كراهية الجهاد، أو من كراهية الإنفاق، فمثلاً ليس المقصود ألا ننفق ونحن نحب المال، فنحن نحب المال حباً جماً -كما ذكر الله ذلك- عن الجميع -لكن المؤمن يصبر على الطاعة بدافع محبة الله تبارك وتعالى، فينفق ويجاهد عن رغبة وليس عن كسل.