للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شمولية مفهوم العبادة في الإسلام وأدلته]

ولشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رسالة قيمة عنوانها (العبودية) ذكر فيها هذا الأمر، وذكر ما هو أشمل منه؛ فكل مخلوق لابد وأن يكون عبداً، فإما أن يعبد الله، وإما أن يعبد غير الله، إما أن يوالي في الله فيحب إخوانه المؤمنين ويكره أعداءه الكافرين, وإما أن يوالي في غير الله، فيحب أعداء الدين ويكره المؤمنين، ولا يمكن أن يخرج الإنسان عن ذلك؛ لأنه كادح، وهذا الكدح لا بد أن يكون لغرض، ولا بد أن يكون وراء الكدح هدفاً معيناً، وهذا الهدف به تتحدد نوعية العبودية، فإذا كانت العبودية بهذا الشكل؛ فإننا نعرف لماذا كانت العبادة في الإسلام عامة وشاملة؟ في كل النشاط (الكدح) البشري ككل.

فالعبادة تحتويه وتحتضنه؛ فإما أن يكون في طاعة الله (من الواجبات أو من النوافل أو من المستحبات) وإما أن يكون في ضد ذلك من المنهيات أو من المكروهات، وإما أن يكون في درجة المباح، والمباح إن كان وسيلة للطاعة التحق بالطاعة، وإن كان وسيلة للمعصية التحق بالمعصية.

فكل إنسان بما أنه كادح فهو عابد، بل وإن كل دولة وكل أمة بما أنها بشر فهي عابدة لشيء ما، ولغرض ما، ولإله ما؛ فإما أن يكون هذا الإله هو الله تبارك وتعالى، وإما أن يكون الله ومعه غيره من الأوثان التي يشرك بها البشر، وإما أن يكون معبوداً لغير الله.

فمن هنا كان مفهوم العبادة في الإسلام أعظم وأشمل مفهوم، وفي ذلك جاءت الآيات وجاءت الأحاديث، التي ذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه العظيم، فذكر لنا من الآيات، والتشريعات، والعبر، ومن الحكم، ومن أخبار الأنبياء ما يدل على ذلك؛ فنجد نبي الله إبراهيم عليه السلام يخاطب الملك فيدعوه إلى عبادة الله، وكذلك موسى وهارون عليهما السلام يخاطبان فرعون، فيدعوانه إلى عبادة الله.

وهكذا كل نبي فإنه دائماً يدعو أمته إلى عبادة الله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٣٢]، وكما قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].

فعبادة الله التي تضمنتها الكلمة العظيمة -كلمة لا إله إلا الله- كانت دعوة كل نبي بعثه الله، يخاطب بها الملوك، ويخاطب بها العوام، ويخاطب بها ما نطلق عليه المثقفين؛ كل هؤلاء مدعوون إلى عبادة الله فمن كان ملكاً فليعبد الله من خلال ملكه، فليقم شرع الله ودين الله عز وجلَّ كما قال جل شأنه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١].