[أهمية الحديث عن الشيوعية]
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد المبعوث رحمة للعالمين، القائل: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم} وعلى آله وأصحابه وسلفنا الصالح أجمعين.
وبعد: فأشكر الله تبارك وتعالى على ما أنعم به علينا من نعمة الإيمان.
أما الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه، ونريد أن نستمع جميعاً، ونحرص كل الحرص على كل ما له علاقة به وعلى كل تحليل له، وهو موضوع (الشيوعية بين السقوط وإعادة البناء) ومستقبل العالم الإسلامي في ضوء هذه التحولات العالمية الكبرى.
هذا الموضوع موضوع مهم للغاية، ومتشعب جداً، ولا يستطيع الإنسان أن يحدد كيف يبدأ وكيف ينتهي، أو كيف يلم بأطرافه.
أما أهميته فلا تخفى على أحد، فنحن جزء من هذا العالم المتغير المتماوج، والعالم تقارب بشكل لم يسبق له نظير مطلقاً، وأصداء التغييرات العالمية تدخل -لا نقول كل دولة أو كل مدينة- بل نقول: تدخل كل بيت يومياً، وقضايا مصيرية تتحدد بناء عليها مصائر الشعوب ومستقبل الأمم، ومثل هذه الأمور لا يجوز أن تمضي هكذا دون أن نستعمل انتباهنا بالتحليل والتدقيق.
ونحن الأمة الإسلامية مع الأسف الشديد، تعودنا في الآونة الأخيرة، على ما يمكن أن نسميه (الأحلام أو الدغدغات العاطفية) أمام قضايا كبرى كان ينبغي لنا، بل يجب علينا أن نأخذها مأخذ الجد والعقل والدراسة، والتحليل العلمي المنطقي البعيد كل البعد عن الآثار العاطفية، على ما للعاطفة من دور.
وهذا الحدث العظيم، نموذج لذلك، ونعني به ما يجري الآن في الاتحاد السوفيتي وقد شارف على إكمال السنة الخامسة من بداية عملية أو فكرة إعادة البناء، كما نادى بها الرئيس السوفيتي جورباتشوف، فماذا وراء هذه العملية؟ وماذا يريد بها جورباتشوف؟ وما هي أصداؤها في الغرب؟ وما هي آثارها في واقع الأمة الإسلامية؟ كلها قضايا مهمة.
وإنني لأقول وأؤكد؛ أنني إن استطعت أن أثير الانتباه إلى أهمية القضية وتحليلها ودراستها، فإنني أكون -إن شاء الله- قد نجحت فيما أريد، بغض النظر عن أي تفصيل آخر، إذ الموضوع أخطر وأهم مما يخيل لنا، ومما كتب أو قيل في الأعم الغالب عن هذا الحدث العظيم، الذي وصف بحق بأنه أكبر حدث في تاريخ العالم المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية.
أو ليس عجيباً أن ذلك الستار الحديدي ينهار! أو ليس عجيباً أن دولاً استبدادية دكتاتورية، تنهار في أسابيع متلاحقة! وكأنها أمور تجري على المسرح، وإنما هو مسرح الحياة الكبير، وبطل هذا المسرح، وبطل هذه اللعبة رجل داهية متميز له صفات سوف نعرض لبعضها -إن شاء الله- في الحديث عن خططه وأعماله، جعلته يكون -كما أجري في أكثر من إحصاء- رجل العالم للسنوات الحالية.
أو ليس عجيباً! أن الاتحاد السوفيتي يتغير تغيراً مفاجئاً مذهلاً إلى حد الإعلان أن الحزب الشيوعي لن يحتكر السلطة، وأن البلاد تؤمن بالتعددية الحزبية، إنها لأمور لا بد أن تشد الانتباه، ولا بد أن يتصدى لها المؤمنون، والحريصون على مستقبل هذا الأمة بكل تحليل وتدقيق.
ونحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بادئ ذي بدئ أننا نثق في المستقبل البعيد، بلا ريب ولا مرية، ولكن يجب علينا أن نحسب الحساب في مستقبلنا الحالي، في واقعنا المعاصر، ولمستقبلنا القريب، وكيف يمكن أن نكون على مستوى التحدي، وعلى مستوى المواجهة.
إن الشيوعية التي كانت بعبع العالم وصنمه في الستينيات الميلادية (الثمانينات الهجرية) مذهب فكري معروف لدى العالم كله، ولكنه في الوقت نفسه مجهول، فمعروف أنه نظام جماعي استبدادي مطلق، وأنه نظام شمولي -كما يسمى- ونظام عقائدي يبني كل صغيرة وكبيرة على العقيدة والمبدأ، ويفسر التاريخ تفسيراً مبنياً ومشتقاً من العقيدة.
يحلل جميع الأحداث تحليلاً مبنياً على العقيدة الماركسية، ولكن الحقائق الخفية، أو المجهول لا يظهر إلا بعد حين، ومما ينبغي أن يعلم -ونحن لا نستطيع بالطبع عرض الشيوعية كاملة- ولكن نعرض فقط ما يتعلق بالتفسير المادي للتأريخ لنصل منه إلى المرحلة المعاصرة التي هي محل النزاع ومحل النظر والتحليل.