للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جهاد الطلب]

إن واجبنا كما أمر الله تبارك وتعالى ليس فقط جهاد الدفع، بل هو جهاد الطلب، وهو أن يطارد الكفار والمرتدون والمجرمون ويغزون في عقر دارهم؛ لينضموا تحت راية لا إله إلا الله وتحت كلمة الحق، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإذا لم نحرك مشاعر الأمة، ونستحثها بهذه الغاية العظيمة فإننا سنظل مقصرين في هذا الجانب.

إن الأمم الكفرية أو المرتدة، أو الضالة خلقت لمتاع الدنيا، فتتنافس في الدنيا، وتجد أن اقتصادها في زينتها وفي زخارفها، أما أمة الإسلام فغرضها وعملها الأساس هو الجهاد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي} فهذه الأمة يبني أعداؤها ويشيدون ويجمعون ويتحضرون كما يشاءون، ثم يجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين، فمثلاً: الحضارة الرومانية ظلت ألف سنة أو أكثر وهي تبنى فجعلها الله غنيمة للمسلمين، وكذلك الحضارة الفارسية ظلت أكثر من ذلك، فجعلها الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين.

وكذلك جيش فارس، فقد كانت الرتب العسكرية ليست كحال الناس اليوم، يصنعونها من المعادن؛ إنما كانت الرتب العسكرية في جيشهم من اللؤلؤ، وبقدر ثمن اللؤلؤة التي يضعها القائد على التاج -على رأسه- تكون رتبته، فالقادة الكبار مثل ماهان ورستم وجابان، كان ثمن لؤلؤة كل واحد منهم مائة ألف دينار، وثمن لؤلؤة من يليهم عشرة آلاف دينار، فكانت رتبهم بهذا الترف والبطر، ولما جاءهم أمر الله تبارك وتعالى، وجاء جيش التوحيد، أخذوا بتيجانهم وعروشهم.

وكانوا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل} ثم فتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت على جهاد الصين وجهاد بلاد ما وراء النهر، حتى إن موسكو -التي هي عاصمة روسيا اليوم- ظلت قروناً تدفع الجزية للمسلمين، وهذا من فضل الله -تبارك وتعالى-.

وكذلك الروم بنوا في مصر وفلسطين وبلاد الشام الطرق الرومانية الشهيرة، وبنوا المدن والمآثر الرومانية المعروفة في التاريخ مثل مدينة دمشق، وغيرها من المدن العظيمة، فعندما جاء جيش الإيمان والتوحيد ملكوها والحمد لله وملكوا مزارعها، وضربوا عليهم فيها ما أمر الله تبارك وتعالى به من الجزية، أو من الخراج، بحسب الأحكام الشرعية المعروفة، وكانوا لقمة سائغة لهذه الأمة والحمد لله، فبنوا وشادوا وأعدوا، فجعلهم الله تبارك وتعالىغنيمة للمسلمين وأورثهم أرضهم وديارهم.

لقد خرجوا من هذه الجزيرة ومن هذه الصحراء التي جعلها الله في كل العصور -ولله الحمد- حصناً منيعاً ترتد عليه رماح المعتدين على أعقابهم خاسرين، خرجوا منها حفاة عراة، وإذا بهم يستوطنون الأندلس، وأواسط آسيا، وشمال الهند التي يقال فيها جنة الدنيا لما فيها من الجمال.

فكل ما في هذه الدنيا من خير ونعمة أوتوه -ولله الحمد- بالتقوى وبالإيمان، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، فهذا وعد من الله لعباده الصالحين أنه سوف يورثهم الأرض في هذه الدنيا والله على كل شيء قدير.

المخاطب -طبعاً- في هذه الأبيات تعرفونه جميعاً أو سوف تعرفونه كما تحدثنا:

طلعة المجد في رباك تجول وسنا الحق في ذراك يصول

في مدار الأفلاك تعرج والشرق والغرب تهافت وأفول

الرسالات من ربوعك قامت ولخير الهداة أنت الرسول

عجز الشعر عن ثنائك والدهر إذ الشعر فيك شأن يطول

هذه المعجزات أتعبت العدُ وعاد التأريخ وهو ذهول

فاسأل الدردنيل واسأل بواتيه وروما فما تراها تقول

تلك أطلالهم تماثيل شؤم شاحبات فما تعد الطلول

كل عرش في قبضتيك أسير كل كنز إلى يديك يئول

فاهطلي أيها السحابة هنداً أو على الصين ليس منك غلول

سيفك الحق في الوهاد صريخ ليس في معمع القتال نكول

كلما در شارق يتهادى طلب العتب منك مجد أثيل

كلما خر كوكب يتهاوى بين جفنيك حلم عز طويل

أنت فوق الورى ورأس الذرى وأنت الإصرار والمستحيل

تعبد الله وحده وتعالى أذن الحق فاخرسي يا طبول

قل لمن أرجفوا مماتك زوراً أو ما يعتري الجواد الذهول

أو ما تخفق الشواهب للأرض وإن كان في السماء تجول

لا تلمني في ساعة الفر إلا إن تراخى من بعد كر يهول

فاعصفي يا رياح بالدرب هولاً أو تأني فعزمتي لا تزول

يرعب الراجمات مقلاع طفلي وشراعي يهابه الأسطول

عز للسيف نبوة في جهاد سنة للكماة هذا الرسول

أنت أنشودة الحياة وملحمة الدهر فماذا عليك إن لم يقولوا

أنت إن قمت غير عابئ شيء فالطواغيت كلهن هزيل

وإذا الحق سل منك حساماً فالشعارات كلهن قتيل

أنجبتك البطحاء وهي ولود وغدتك الشام وهي بتول

كلهم سوف يغلبون جميعاً كلهم عن حماك سوف يزول

رب فوج يقود للروع فوجاً وخيول تجرهن خيول

موكبٍ ترهب المنايا سراه رابط الجأش للدماء نهول

هذه الصافنات أورين قدحاً فالنواصي شهيدة والذيول

وأدتها رمالنا البيد وأمست نعوشهن التلول

كلما أظلمت من الرهج البيد أضاء السماء سيف صقيل

وطئت بالسنابك الصم أحلام هولاكو وأودى الصليب والمستطيل

أنت أوثقت من جبابرة الكفر قروماً فكلهن ذليل

ما عتاب الكريم إن عثر الجد زماناً ولم يجد من يقيل

إن تكن غضبة فصفح جميل أو تكن محنة فصبر جميل

والحمد لله رب العالمين.