يقول:(إذا تبين هذا فهاهنا أصل عظيم يكشف سر المسألة، وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به).
إذاً: القضية ليست قضية رجاء -أضعف منازل المريدين- كما يقول الهروي أو يقول الصوفية، لا.
أعظم الذنوب إساءة الظن بالله سبحانه وتعالى، وهي باب لموضوع آخر سيأتي فيما بعد، قد يقال: أليس أعظم الذنوب هو القول على الله تعالى بغير علم كما في الآية؟ نقول: انتظروا سيفتح الشيخ باباً إلى باب إلى باب حتى تجدوا مدناً من مدن العلم والخير في هذه العبارات الموجزة.
يقول:(فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس، فظن به ما يناقض أسماءه وصفاته).
أي أن مسيء الظن بالله ظن به خلاف الكمال الذي تقتضيه هذه الأسماء والصفات التي تثبت له، يقول: ولهذا توعد الله سبحانه وتعالى الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[الفتح:٦] أعوذ بالله! انظروا شدة الوعيد نتيجة هذا الظن بالله تبارك وتعالى.
وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت:٢٣] ما هي الصفة التي أنكرها هؤلاء؟ الصفة التي أنكرها هؤلاء هي صفة العلم، وأن الله لا يعلم كثيراً من أعمالهم.
يقول:(وقال تعالى عن خليله إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}[البقرة:١٢٤]{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}[النحل:١٢٣] شرف عظيم أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملته، هذا من أعظم الدلالة على إمامته عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ولما قال لقومه:{مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:٨٥ - ٨٧]{أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}[الصافات:٨٦] أئفكاً: افتراء لا أصل له ولا حقيقة ثم يعقب على ذلك: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:٨٧].
يقول: فما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ وما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص، حتى أحوجكم ذلك إلى العبودية لغيره؟ ماذا ظننتم به حتى عبدتم غيره معه أو من دونه؟! يقول: (فلو ظننتم بالله ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير، وأنه غني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، وأنه قائم بالقسط على خلقه، وأنه المتفرد بتدبير خلقه لا يشركه فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور فلا يخفى عليه خافية من خلقه، والكافي لهم وحده:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر:٣٦] فلا يحتاج إلى معين، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم يحتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجها، وإلى من يعينهم على قضاء حوائجهم، وإلى من يسترحمهم وإلى من يستعطفهم بالشفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة حاجتهم).
نتيجة حاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم، انظروا إلى هذه العبارات العظيمة.