وسبب تأليف شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله لكتابه: هو أن أحد بطارقتهم وعلماء دينهم اجتاز بعض أنحاء العالم الإسلامي في تركيا وغيرها، وعاد إليهم وأخذ يخطب ويقول: 'إن المسلمين على دين باطل محرف، وإني قد قابلت علماءهم وناظرتهم، فأفحمتهم وأبطلت دينهم، وحطمت شبهاتهم' إلى آخر ما افترى وكذب به هذا المفتري، فلما بلغ ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله أخذته الغيرة الإيمانية، فجرد سيف الحق على هذا الباطل، وسيف الحجة الإيمانية على تلك الشبهات المفتراة الداحضة، ففندها واحدة واحدة، وأبطل كلامهم، وجاءنا بهذا الكتاب الفذ الذي لم يكتب قبله مثله ولا بعده.
ورحم الله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية هذا العلم العلامة الجهبذ الفهامة، كم من طواغيت قد حطمها! طاغوت المنطق فنده ودمره قبل أن تعرف ذلك أوروبا بأكثر من خمسة قرون، لأن هيجل المعروف في التاريخ الأوروبي بأنه دمر أو قضى على منطق أرسطو لم يكتب شيئاً مما يقارب عشرة أو عشرين في المائة مما كتبه شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، ونقول: هذا والحمد لله عن علم واطلاع، والغربيون يسمون هيجل إله العلم أو إله الفكر، تعالى الله عما يقولون! ولو اطلعوا على كلام شَيْخ الإِسْلامِ ونظروا بعين الإنصاف والتجرد لكانوا يؤمنون بالله وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا فقط في المنطق، وأيضاً رد على المتكلمين، وتعلمون كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل، وكتابه الآخر نقض التأسيس وغير ذلك ورد على الأشعرية، ورد على المؤولة، ورد على الرافضة بكتابه العظيم المشهور منهاج السنة، وهنا رد على اليهود والنصارى في هذا الكتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وهكذا رحمه الله.
فالكتاب لا نظير له في بابه لأنه من تأليف هذا العلامة رحمه الله رحمة واسعة، وإن كان شَيْخ الإِسْلامِ في الحقيقة لا يحتاج هو ولا كتبه إلى تعريف، ولكني رأيت أن أعرض لشيء مما في هذا الكتاب لسبب أراه مهماً، وهو أن بعض طلاب العلم إن لم أقل الكثير ممن عرفته وسألته وناقشته عند بداية فكرتنا هذه ومشروعنا هذا يقولون: إنهم لم يقرءوه، ووقع لي أن سبب ذلك أن كثيراً من الإخوة طلاب العلم أو العلماء بارك الله فيهم جميعاً يقولون: إن الكتاب يتحدث عن الأقانيم وعن الصلب وعن فرق النصارى وغير ذلك من أمور قد لا يكون من الضروري أن يطلع عليها إلا من يريد التجرد للرد على هؤلاء، وربما لا يكون كثير من هؤلاء لديه هذا الاهتمام بهذا القدر.
لذلك أحببت أن أطلعكم على بعض ما أرى من نقول، وأرجو ألا أطيل فيها عليكم -إن شاء الله- لكنها تبين لكم غزارة ما في هذا الكتاب من علم، وتنوع موضوعاته، فالكتاب في الحقيقة ليس فقط فيما يتعلق بالنصارى، بل هو يقرر تقريراً عجيباً عظيماً حقائق قد لا توجد ولا أظنها توجد في أي كتاب آخر غيره، إنها علوم جمة يحتويها هذا الكتاب، فهو دائرة معارف أو معلمة في علم مقارنة الأديان.