إن الاتجاه الأكثر شيوعاً ولاسيما لدى المثقفين أو الدعاة الإسلاميين: هو أن الشيوعية تنهار وتنحسر وتتراجع.
ومع تسليمنا بأن هناك جانباً عاطفياً يتدخل في هذه النتيجة، وأن الشعور بالارتياح العام لدى الأمة الإسلامية، يؤثر في استنتاج هذه النتيجة، فإن لها قدراً من الصحة لا يخفى على أي متفطن.
أولاً: نحن المسلمون نؤمن إيماناً قاطعاً بأن كل ما سوى الإسلام باطل وزائل ومنهار، وأن هذه المبادئ التي أُسست على غير الإيمان بالله، وعلى غير تقوى الله، وعلى غير هدى من الله، فلا ريب أنها تنهار وتنحصر، ولكن هل ذلك يحصل الآن؟ هنا نقطة الاختلاف، فالذين يرون الانهيار يقولون: ماذا بعد سقوط هذه الدول دولة تلو الأخرى في شكلٍ مسرحي يثير الدهشة لدى كل المحللين؟ دولٌ كانت قلاعاً كبرى لهذا المبدأ، وإذا بها تتهاوى كبيوتٍ من الورق تلتهمها نار الثورة، أليس هذا انهياراً؟ أو ليست الشيوعية من طبيعتها الحتمية الثورة؟ فماذا تريدون أكثر من أن الشعوب تطالب بـ الديمقراطية، وتثور على الثورة وتنتصر عليها؟ والأعجب أن يكون قائد هذه الحركة هو الاتحاد السوفيتي نفسه، بل أن يكون قائده هو زعيم الشيوعية العالمية ميخائيل جورباتشوف، هو بنفسه المشرف على هذه العملية الضخمة التي توصف بحقٍ بأنها أكبر حدثٍ في تاريخ أوروبا أو في تاريخ العالم -كما يقال أحياناً- منذ الحرب العالمية الثانية.
أليست الدبابات الروسية قد دكت المجر في عام (١٩٥٦م)، ودكت براز في تشيكوسلوفاكيا عام (١٩٦٨م)، أليست روسيا والأحزاب الشيوعية وراء كل ثورة قامت في العالم وفي العالم الإسلامي بالذات من أجل إحلال الماركسية اللادينية محل العقيدة الصائبة والنظام الموجود؟ وماذا بعد هذا من علامات الانهيار؟ أو ليس الرئيس ميخائيل جورباتشوف قد أعلنها صراحةً -أو ظناً- بعد اجتماعه مع بوش في مؤتمر مالطا بأنه لن يتقاسم العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا تراجع كبير، وهنالك كثير من الاستنتاجات بشواهدها الدالة على أن الشيوعية حقاً تتعرض لانهيارٍ شامل، وقد أفضى ذلك إلى الاعتقاد بأن الرئيس جورباتشوف ما هو إلا صنيعة رأسمالية أو دسيسة غربية أريد هدم الشيوعية به أو من خلاله، وبتزعمه أو بتسلطه على الحزب وعلى الدولة استطاع بتلك القبضة أن يفعل ما أراد، وأن يحقق هذا الهدف الذي يباركه الغرب في شتى قطاعاته وفي مختلف أنظمته وأوضاعه.