التربية الحقة هي التي تمتلك التصور الكوني الكلي للوجود، التي تحدد فيها صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتحدد فيها صفات الرسل وواجباتهم وأعمالهم، وما ينبغي لهم وما يجب علينا نحوهم، وتحدد فيها وظيفة الإنسان ومصيره، من أين جاء؟ وإلى أين يذهب؟ وكيف يعمل ويعيش؟ ومحددةٌ فيها كل جوانب النفس الإنسانية بحيث يجد الإنسان أنه في اقتصاده، واجتماعه، وآدابه، وأخلاقه، وسلوكه، يجد نفسه شيئاً واحداً لا تتعاوره الاتجاهات المتناحرة، وهذا لا يوجد في أي نظرية أو مبدأ أو دين إلا في الإسلام، حتى الإنسان الأوروبي لا يملك هذا التكامل على الرغم من وجود هذه المدارس وأمثالها التي بدأت تظهر، إلا أنه في تاريخه الطويل ألف المتناقضات والتناحرات، فكان يخضع لقيصر فيما كان لقيصر، ويخضع للكنيسة فيما كان لله، كما هي نظريتهم الباطلة التي تقول: 'دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله! '.
ألفرد نورث وايتد عالم رياضي كبير إنجليزي يقول: 'مشكلة المشاكل التي يعيشها الإنسان والتي يعيشها العلم الحديث هي تجزئة الطبيعة' نقول: هذا جانب ديني، وهذا علمي، وهذا تربوي، وهذا اقتصادي، وهذا سياسي، ولو دقق الإنسان لوجد أن هذه الجوانب جميعاً لا يمكن أن تنفصل على الإطلاق، فلا يمكن أن نفصل بين دين الإنسان وبين أخلاقه -كما هو الحال في الغرب- أو بين أخلاقه واقتصاده، فالذي يتعامل بالربا من جهة لا يقول: أتحلى بالأخلاق من جهة أخرى، لا يمكن أن نفصل بين السياسة والأخلاق وبين الدين! ولكن الإنسان الغربي، تعود الفصل بين الأنا والعالم، بين الله والإنسان، بين الإنسان والطبيعة والعالم، بين الرجل والمرأة، صراع فاصل كبير وعنيف، صراع بين ما للقيصر وما للبابا، فالحياة الغربية تقوم على التناقضات والصراعات.
أما دين الإسلام فهو دين التوحيد، تتجه النفس الإنسانية اتجاهاً واحداً، ومستمداً من شرعٍ واحد، كما ذكر الله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الجاثية:١٨] قال: أهواء؛ لأنها مختلفة، وقال أيضًا:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:١٥٣] أي: صراط واحد، وأهواء مختلفة، وأرباب متشاكسون متناحرون على هذا الإنسان، ماذا كانت النتيجة لهذا الإنسان؟