[الغلو في محبة النبي صلى الله عليه وسلم]
وقد بلغ بهم أيضاً الغلو في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن زعموا أنه هو أول المخلوقات، وأنه خُلِق من نور الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهم في ذلك أعاجيب ينقلونها ومن ذلك الطريقة القادرية، معروفة وهي أشهر وأكبر الطرق، تنتشر في إفريقيا والهند والباكستان والدول العربية انتشاراً عجيباً.
حتى قيل: إن أتباعها يقاربون (٣٠٠) مليون من المسلمين مع الأسف، فهؤلاء الناس الذين حتى لو حجوا أو اعتمروا أو صلوا لا يرددون إلا أذكار هذه الطريقة، في أثناء الحج أو بعد الصلوات.
وينسبون كتاباً من كتب الطريقة اسمه سر الأسرار إلى عبد القادر الجيلاني، معي الآن مقطع منه فيما يتعلق بهذه الفقرة، يقول: ' اعلم وفقك الله لما يحب ويرضى، لقد خلق الله تعالى روح محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً: من نوره وجماله، كما قال الله عز وجل: خلقت روح محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نور وجهي -وهذا كذب لم يقله الله عز وجل- وكما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول ما خلق الله روحي، وأول ما خلق الله نوري، وأول ما خلق الله القلم، وأول ما خلق الله العقل ' وهذا كله كذب باطل، إلا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أول ما خلق الله القلم}.
يقول: ' فالمراد منها -أي: من هذه الأحاديث المختلفة- شيء واحد هو: الحقيقة المحمدية '، والحقيقة المحمدية اصطلاح فلسفي يطلقه الصوفية على أول المخلوقات، وأول الكائنات، وهو في الحقيقة يقابل العقل الكلي الذي تدعيه الفلاسفة والباطنية، ويقولون: إنه أصل جميع الموجودات، وهؤلاء يسمونه الحقيقة المحمدية.
يقول: ' المراد من هذه الأحاديث شيء واحد هو: الحقيقة المحمدية، فالروح المحمدية خلاصة الأكوان، وأول الكائنات كما قال عليه الصلاة والسلام: أنا من الله والمؤمنون مني، وخلق الله الأرواح كلها منها في عالم اللاهوت وفي أحسن التقويم وهو الوطن الأصلي -انظروا كيف تحريف كتاب الله وتفسيره- فلما مضى عليها أربعة آلاف سنة خلق العرش من نور عين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبواقي الكائنات منه -يعني: من نور النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ردت الأرواح إلى درك أسفل الكائنات '.
أي: الأجساد، لأن الأجساد في نظر الصوفية هي أسفل الكائنات، كما هي النظرية الهندوسية المعروفة في ديانة الهندوس الفناء: الجسد هو أدنى الدرجات، والإنسان يترقى ويفنى في الاتحاد حتى يتحد بالله عز وجل، تعالى الله عما يقولون.
يقول: ' كما قال الله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:٥]-هذا من تفسيرات الصوفية - فلما تعلقت الأرواح وأنست في الأجساد نسيت ما اتخذت من عهد الميثاق في يوم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:١٧٢] فلم ترجع إلى الوطن الأصلي '.
الآن يعلل لماذا بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ يقول: بعث لأن الأرواح تعلقت بالأجساد ونسيت أصلها.
يقول: ' فترحم الرحمان المستعان عليهم بإنزال الكتب السماوية تذكرة لهم، بذلك الوطن الأصلي كما قال تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم:٥]، أي: أيام وصاله بما سبق مع الأرواح '.
وهذا ليس بصحيح أبداً أيضاً بل هو من تفسيراتهم، ومثل هذا تفسيرات الباطنية.
يقول: ' حتى أفضت الرسالة إلى الروح الأعظم المحمدي خاتم الرسالة، والهادي من الضلالة، فأرسله إلى هؤلاء الناس الغافلين، ليفتح بصيرتهم، من نوم الغفلة فيدعوهم إلى الله تعالى، ووصله ولقاء جماله الأزلي ' نسأل الله العفو العافية.
نحن نقول: إن هذا الكلام المنسوب للجيلاني لا يعقل أن يقوله، ولم يثبت لدينا قوله، ولكن أصحابه ينسبون ذلك إليه، ولو قاله لما كانت له تلك المنزلة التي ذكرها العلماء عنه، مع ما ذكروا عنه من بعض جوانب البدع.
لكن نحن الآن لا نحاسبه كفرد ولكن نحاسب هذه الطائفة التي غلت في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هذا الحد، وجاءت بأمثال هذه الخرافات والتي أصلها ما افتراه الزرادشتية والمجوس في أنبيائهم كما نقل ذلك الدكتور طلعت غنام وأمثالهم ممن بحثوا في أصول التصوف.