للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرارات الدولية والكيل بمكيالين]

وفي الصفحة الأخرى من مجلة المجتمع نقرأ تأديب عيديد وتدليل كراديتش.

وهذا شيء عجيب جداً أن نتعاطف مع عيديد، وعيديد علماني مهما قال: الإسلام أو الجهاد، فالمصلحة بالنسبة له هي نفعية، ولكن حتى على معيارهم هم، لماذا هذه المعاملة غير المتوازنة؟ فهذا يجب أن يقبض عليه ويؤدب وأن يفعل به وهو في بلده، وأما ذلك فيخالف القرارات الدولية، والشرعية الدولية والإجماع الدولي ويتحدى الجميع، ويدلل، فكل مرة تأتي خطة أفسد وأضعف مما قبلها، وتعطي الفرصة.

لكن قضية المسلمين في البوسنة والهرسك تثير العجب، ولو تأملت أي نشرة أخبار أو تصريح غربي، أو أي كلام على ما سوف يفعلونه، لوجدت فحوى الكلام دائماً كالذي يقول: أيها الصرب عجلوا عجلوا ما فعلتم شيئاً، انتهوا سوف نعقد مؤتمراً، نجعل كذا، ونجمع كذا، ونقرر.

كل هذا وكأنهم يقولون للصرب: هل انتهيتم من المسلمين؟! فيقولون: ليس بعد، فيقولون: حسناً نغير الخطة، ويدعون المسلمين إلى خطط أخرى ومؤتمرات، ثم يقولون بلسان حالهم: هل انتهيتم منهم أيها الصرب، فيقولون: تبقَّى القليل، فيدعونا الغرب من جديد إلى مؤتمرات وحلول وخطة أخرى وهكذا، ونحن المسلمين لا نعمل شيئاً إيجابياً.

إن مشكلتنا من أنفسنا، والله تعالى قال عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥]، فمشكلتنا في البوسنة والهرسك من عند أنفسنا.

وليست المشكلة وليدة الآن، فعندما دخلت الجيوش التركية فاتحة، وفتحت تلك البلاد، بدأ الخطأ من تلك الأيام، فالحرب بين الصرب والترك قديم، وتدخل الإنجليز والأوربيين فيه قديم، ولو قرأنا تاريخ البوسنة فسنجد العجب كله، وإن ما يدور الآن هو صفحة من ماض، على وتيرة واحدة، وعلى منوال واحد، وعلى منهج واحد، والسبب فيه هو نحن أصلاً.

فلم يدخل العثمانيون والأتراك فاتحين مسلمين بالمعنى الكامل الصحيح، إنما كانوا يقاتلونهم فإذا غلبوهم دعوهم في الجملة إلى الإسلام، وإلا بقوا مسيطرين عليهم بالقوة، ويقي أولئك على دينهم.

وإلا فـ اليونان والبلقان ويوغسلافيا هذه الجمهوريات وما حولها وجزء كبير من الدول الشرقية ورومانيا كلها دخلها العثمانيون فاتحين، فلو نشروا العقيدة الصحيحة واللغة العربية وأدخلوا الناس في دين الإسلام، لكانوا مسلمين جميعاً.

حكومة مسْلِمة تحكمهم (٤٠٠) سنة ثم تخرج عنهم، فإذا بالمسلمين أقلية!! نحن أصلاً ما كنا حملة عقيدة، ولا حملة رسالة بوعي.

صحيح أن الدولة العثمانية كانت دولة قوة وجهاد لا ينكر ذلك أحد، والحمد لله أنها دفعت شر أوروبا فحولت المعركة من بلاد الشام ومصر، إلى أن صارت المعركة في قلب أوروبا نفسها، وهذا لا شك عمل كبير.

لكن المشكلة أن الجهاد بلا عقيدة ولا علم ولا فقه لا يصلح، لا للأمم ولا حتى للأفراد.

فالجهاد لا بد أن يكون على عقيدة وعلى علم، وعلى معرفة تفصيلية بما أنزل الله تبارك وتعالى، كما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهد أصحابه، فيفتحون البلاد وإذا بهذا البلد المفتوح، يفتح الله قلوب أهله، فيدخلون في دين الله أفواجاً، ويأتون إلى هؤلاء الرجال الأخيار يتعلمون منهم الدين، ثم ينشرون هم الدين، ويصبحون مجاهدين ولكن قوة الحديد والنار والسيطرة العسكرية وحدها لا تدوم إلى الأبد، وهذا ما وقعت فيه الدولة العثمانية من خطأ كبير.

فلما جاءت الشيوعية وجاء تيتو صديق العرب!! وانظروا من أصدقاؤه من العرب: جمال عبد الناصر، وحزب البعث، وأمثالهم ممن بعضهم باقٍ وبعضهم أهلكه الله.

وتيتو هو الذي قتل المسلمين في يوغسلافيا، ومحا معالم الإسلام أيضاً.

كوشيجين وخرباتشوف واستالين الذين فعلوا بالمسلمين ما فعلوا في روسيا.

ونيريي الذي قتل المسلمين في زنجبار، ونهرو الذي فعل بالمسلمين في الهند وما حولها ما فعل، ومكاريوس الذي قتل المسلمين في قبرص، وأعداء الإسلام جميعاً كانوا كلهم أصدقاء للقومية العربية.

فالمقصود من الحديث أن ما بنا فهو من عند أنفسنا فعلاً، فقد صادق القوميون العرب أعداء الإسلام، وأعانوا على قتل إخوانهم المسلمين، وأمدوهم بالمال وبكل أنواع العلاقات.

وأبيد من المسلمين من أبيد، وفرقوا ومزقوا، ثم لما ذهبت الشيوعية وتهاوت -لا ردها الله- وأخذ المسلمون يبحثون عن الذات، والعالم كله بدأت فيه عودة إلى الدين، أراد المسلمون أن يرجعوا إلى دينهم، وقامت لهم دولة اعترف بها العالم، فكانت المأساة وبدأنا ندفع ضريبة قرون وعقود من المآسي والجهل والانحراف والضياع.

وأحدنا يتعجب من الكروات! لم يصمدوا أمام الصرب ولا ساعات، والمسلمون الآن سنة وهم صامدون شيء عجيب، وهم بهذا الضعف وفيهم هذا الانحراف وهذا الخلل، وهذا القصور، وهذا التمزق، فلو أننا أمة مؤمنة حقاً، لكان من يقاتل الآن في البوسنة في إمكانه أن يهزم أكبر جيش أوروبي، وأن يفتح أوروبا بإذن الله؛ لأن قوتنا نحن في عقيدتنا وفي إيماننا، كما قال عمر رضي الله عنه: [[إنما يغلب المسلمون أعداءهم بتقواهم وإيمانهم، وبكفر أعدائهم، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية، كان لهم فضل علينا في القوة]].

فسبحان الله! انظروا هذا الصبر العجيب للبسنويين الآن وهذا الصمود وأحياناً تتحقق لهم انتصارات، وهم في أول طريق العودة والأوبة إلى الله، وهذا هو السر المزعج الذي يزعج الغرب، ويجعله يفقد توازنه.

فنجد أن كراديتش مجرم الحرب قد قتل من جنود الأمم المتحدة قرابة (٥٠) فرداً، ويمنع قوافل الأمم المتحدة من المرور ويطلق عليها النار كل يوم، ومع ذلك يتنقل بين عواصم العالم ويستقبل كزعيم يقابله الممثلون الدوليون وكأن شيئاً لم يكن.

وهذا عيديد عندما قتل مجموعة من الباكستانيين، هرب الأمريكان، فصار المسلم يقتل المسلم ولم نستفد شيئاً، لكن مع ذلك لم يقتل عيديد جنود الأمم المتحدة، فإذا به يضرب ويُدمر، وأصبح يُقْتل حتى العوام في الصومال، وحتى المستشفى يدمر؛ لأن النار أطلقت على جنود الأمم المتحدة، والذين في البوسنة أليسوا جنوداً للأمم المتحدة، فانظر كيف المعيار.

إن أعداء الدين يعرفون خطر هذا الدين، وأن خطره عليهم يكمن في العقيدة وفي الجهاد وما يسمونه الأصولية والتطرف، فعندهم هيبة ورعب يقذفه الله تعالى في قلوبهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نصرت بالرعب مسيرة شهر} وهذا ليس لشخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسب بل لجيوشه ولكل من يدافع لنصرة دينه، وذلك مثل ما جاء في الحديث {وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً}.

هذا أيضاً من آيات الله ومن فضل الله ومن مزايا هذه الأمة وتفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو له ولهذه الأمة كلهم.

والمقصود أن هذا جانب من جوانب الرعب الذي ألقاه الله في قلوب الأعداء.

كما أنهم يمتلكون قوة حقيقية غريبة لا يستطيع الكفار أن يواجهوها، وإلا فلماذا يذهب الشاب المسلم إلى أمريكا ويدعوا إلى الله على نافلة الوقت، ولا يرجع بإذن الله إلا وقد أسلم على يديه مجموعة من هؤلاء، وعن رضا وطواعية واختيار ومحبة في للدين، ويصبح قلبه وولاؤه إسلامياً، سبحان الله! وهم يبعثون آلاف المنصرين من أجل هذا، ومن تنصر فهو لجهله صحيح أنهم ينصرون بالملايين ولا نقلل من أهميتهم، لكن لا يستطيعون أن يملكوا قلبه وشعوره ولبه، فسبحان الله! فرق كبير بين الأمرين، وإن كان في الظاهر أن هناك نجاح.

إذاً هذا الدين سره العجيب أنه حق، وأنه من عند الله عز وجل، وأنّ الله عز وجل تكفل أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

ولكن مهما أيقنوا أن الله مظهر دينه فإنهم لا يكفون عن محاربته بأنفسهم أو بعملائهم أو بأجهزتهم، فأي شيء أنت تراه عادياً جداً يخيفهم؛ لأن أهل الباطل دائماً يخافون من الحق.

فلو أن عصابة اجتمعت من أعتى الدهاة فكرياً وسرقوا مالاً لأحد، ورآهم طفل، لظلوا يخافون من هذا الطفل الصغير أن يتكلم عليهم ويدلي بأوصافهم لأنهم على فجور وباطل، وذلك الطفل على حق، فلذلك نحن مهما كان ضعفنا؛ فإنهم يخافون من أي عمل نعمله، ويخافون من أي داعية يدعو، ومن أي كتاب، ومن أي فكرة وإن كانت صغيرة، يخافون منها؛ لأنها حق، وهم يعلمون أنهم على باطل.

فمن هنا نعرف أن أول وأهم غرض يجب أن نسعى إليه هو أن نزرع هذه العقيدة والإيمان والولاء والبراء في نفوس هذه الأمة، فالعقيدة ليست كلاماً مجرداً ونظريات مجردة.

بل لا بد أن تظهر العقيدة عملياً في صورة الولاء والبراء، بأن توالي من والى الله ورسوله، وتعادي من عادى الله ورسوله، وتعلن ذلك وتجتهد فيه.

ومن هنا يجب أن نعلم أن أي حدث يقع في أي بلد من بلاد المسلمين لا يصح أن يفسر بأي تفسير، ولا ينبني إلا على أصل العقيدة والطاعة والمعصية.

والقاعدة التي علمنا الله تبارك وتعالى إياها في كتابه وعلمناها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه المصائب، وهذه المحن وتسليط أعداء الله علينا، لا تفسر إلا بمعصيتنا لله لنرجع إلى الله، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا تبايعتم بالعينة واشتغلتم بالزرع وأخذتم بأذناب البقر وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا