وهذا الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله، تأمل في قوله تعالى:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الدخان:٤٠ - ٤٢].
إن هذه الآية كأنها استجمعت واستغرقت ذهنه الليلة كلها، فيفكر فقط! كيف إن يوم الفصل ميقات الناس أجمعين، الأولين والآخرين -من آدم عليه السلام، إلى آخر مخلوق يخلقه الله عز وجل- فيأتون جميعاً حفاةً عراةً غرلاً بهماً كيوم ولدتهم أمهاتهم، وتدنو منهم الشمس مقدار ميل، فذلك موعدهم وميقاتهم أجمعين، ثم يكون الحساب والفصل، سبحان الله! الواحد منا إذا رأى أباه أو جده وقد صار كبيراً طاعناً في السن، وتأمل هذا الكبير المنحني الظهر مرت به أيام مثل الحلم، كان طفلاً صغيراً وكان يرى جده وهو كبير طاعن في السن مثله، وذلك الجد كذلك، سبحان الله! وكأنك ترى مجموعة هائلة لا نهاية لها كلهم شِيبة إلى مالا نهاية؛ لكن أنت شباب والحمد لله ولكنها لحظات كالحلم، فتمر أيام معدودة، وإذا بك نفس الشيء، وإلى نفس الحالة.
ولهذا يوم الفصل يجتمع هؤلاء جميعاً، الذي كان يقول: هؤلاء أحفادي، والذي كان يقول: هؤلاء أجدادي، وكم من قرون خلقها الله، عاد وثمود والذين من بعدهم -لا يعلمهم إلا الله- قال تعالى:{وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً}[الفرقان:٣٨] فكلهم يجمعهم الله عز وجل كما ذكر سبحانه: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:٤٠].
وهناك:{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً}[الدخان:٤١] ولا ينفع الإنسان هناك إلا العمل الصالح، قال تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:١٠١] أي: لا ينفع مال ولا سلطان، ولا منصب ولا جاه، فكل شيء يذهب ولا يبقى، إلا ما قدمت وما عملت، فتجده أمامك، قال سبحانه:{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:٤٩].